انتهت الحرب على غزة، بربح مقبول وجيد للفلسطينيين، ففكّ الحصار التجويعي عن غزة وفتح المعابر والسماح بالصيد وغيرها... أمور تعتبر من المكاسب الحقيقة والفعلية التي استطاع الفلسطينيون أن يحققوها بصمودهم وتضحياتهم، خاصة مع هذا العدد المرتفع جدًا من الشهداء والحجم الهائل للدمار.

ولعل استطلاعات الرأي الاسرائيلية قد عبّرت بشكل واضح عن رؤية الجمهور الاسرائيلي لما تحقق من نتائج عبر عملية "الجرف الصامد" الاسرائيلية على غزة، فقد أكد نحو 60% من المستطلعين الاسرائيليين أن إسرائيل لم تنتصر في الحرب، ومنهم 16% رأوا أن الفلسطينيين هم الذين انتصروا، والباقون (54%) قالوا إن أحداً لم ينتصر في الحرب، فيما اعتبر 26% أن اسرائيل انتصرت.

وبغض النظر عن ادعاءات الربح والخسارة التي يعلنها كل طرف، إلا أن اللافت كان خطاب خالد مشعل في قطر، والذي أعلن فيه الفوز، وشكر خلاله أمير قطر الذي وصفه بـ " الشجاع"، وقناة الجزيرة كما وجه الشكر لعدد من الرؤساء والدول منهم الرئيس التركي رجب طيب أروغان الذي وصفه ب"الرجل الأصيل"، و"الرئيس الثائر المنصف المرزوقي"، والرئيس السوداني، وامير الكويت، واليمن والجزائر وتونس وعمان والكويت وماليزيا، وجنوب أفريقيا ودول أميركا اللاتينية، وأعلن أخيرًا أنه "تلقى اتصالاً من ايران" ...

بالفعل، إن ما قام به خالد مشعل يعتبر نوعًا من الصبيانية السياسية، فبغض النظر عن الشكر الذي وزعه يمينًا ويسارًا، يمكن ملاحظة ما يلي:

- إن الرابح الاقليمي الأكبر من هذه الحرب، كانت مصر التي استعادت دورها الاقليمي، وفرضت على حماس وحلفائها الاقليميين الموافقة على المبادرة المصرية، بعدما كانوا قد رفضوها وحاولوا أن يسحبوا البساط من مصر لإعطار تركيا وقطر أدوارًا اقليمية على حساب القضية الفلسطينية، ففشلوا. والمحصلة، أنه سواء شكر مشعل مصر أم لم يشكرها، فهذا لا ينفي أنها استطاعت أن تعود وتفرض نفس المبادرة التي رفضتها حماس في البداية.

- بالنسبة لتوزيع الشكر، كان واضحًا أن خالد مشعل إنما كان يمارس سياسة حزبية ضيقة تمامًا كما فعل خلال الحرب على سوريا، حينما ورطت حماس المخيمات الفلسطينية في سوريا في الحرب الدائرة هناك وتسببت بتهجير الفلطسينيين مرة أخرى، وعضت اليد التي امتدت لها، وها هي اليوم حماس تعض الأيادي التي امتدت لها، من دول وأحزاب وقنوات تلفزيونية تبنت القضية كايران، وحزب الله، وقناة الميادين على سبيل المثال لا الحصر.

- وبالرغم من الفرحة المنتشرة في العالم العربي بانتصار غزة ورفع الحصار عنها، إلا ان ما قامت به حماس من اعدامات ميدانية بدون محاكمة وبوجوه ملثمة لمن أسمتهم "المتعاملين مع العدو"، أظهر صورة بشعة عن المقاومة الفلسطينية التي ظهرت في تلك الصور أقرب الى داعش والنصرة واعداماتها الميدانية للابرياء في سوريا والعراق، بتهمة "التعامل مع النظام". وبغض النظر عن صحة الاتهامات لهؤلاء بالتعامل، فإن الاعدامات خارج نطاق القضاء هي جرائم يعاقب عليها القانون، وما قامت به حماس، يفيد أن الحركة لم تصل بعد الى مستوى الحكم المؤسساتي الذي لا يتخطى حكم القانون مهما كانت الذرائع والمبررات.

وهكذا إذًا، وكما في كل مرة، يفسد العرب انتصاراتهم بالسياسة، فانتصار أهل غزة وفكّ الحصار عنهم، سيكون أداة سياسية يحاول كل طرف أن يستثمرها لصالحه، ويبقى الأمل أن تدرك حماس أخطاءها، ولا تكررها، فالمشروع الأخواني الذي أدخلت نفسها طرفًا فيه قد انهزم، وقبل أن تعترف حماس بهذه الهزيمة، ستبقى قطر وتركيا تحاولان الاستفادة من القضية الفلسطينية بتكلفة عالية جدًا.