لن تختلف جلسة الثاني من أيلول الجاري والتي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيسٍ للجمهورية (وهي المرّة الحادية عشرة التي يحدّد فيها رئيس المجلس النيابي موعداً لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري)، عن سابقاتها في الشكل والمضمون.

فالجلسة ستتعطل بسبب فقدان النصاب، ولن يصرَّح باسم صاحب الفخامة في هذا اليوم، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل موعد الجلسة ليستمر الفراغ متربعاً على عرش الرئاسة في بعبدا، بعد أن استراح مقر الرئاسة الصيفي في بيت الدين من "هموم" انتقال الرئيس اليه.

وعاد المتفائلون سابقاً بامكان انتخاب رئيس في جلسة 2 ايلول، إلى أجواء التشاؤم والهيبة التي كانوا غرقوا بها قبل إعلانهم أنّ "أيلول طرفه بالانتخاب مبلول"، وقد يكون السبب ما تردد عن شحّ المياه في لبنان!

غيوم العراقيل الملبدة بالتوتر لا تزال تخيّم على الاستحقاق الرئاسي، وهي السبب الاساسي في التمديد للفراغ منذ نهاية أيار الفائت وحتى اليوم. ولكنّ مصادر متابعة أبدت ثقتها بأنّ القطار وضع على السكة، لكن الوصول الى المحطة لا يزال يتطلب وقتاً ليس بقصير.

وتستند هذه المصادر على تطورات عدة شهدتها المنطقة، لعلّ أبرزها:

* التدخل الايراني العسكري المباشر في العراق: بعد أن تردّد الجميع في الاعلان رسميًا عن تدخل عسكري إيراني في العراق(1)، أكد وزير الخارجية الايراني محمد ظريف من اربيل في 26 آب الفائت، "ان إيران تقدم المساعدة العسكرية للعراق ولاقليم كردستان في مواجهة داعش".

هذا التأكيد لم يلقَ أيّ رد فعل سلبي رسمي إن من الدول العربية وفي مقدمها السعودية، أو من الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى "الضوء الاخضر" الذي منح لايران بالتدخل في العراق، مع ما يعنيه ذلك من تعاون ايراني- خليجي من جهة، وايراني- دولي من جهة ثانية، ولا يخفى انعكاسه على لبنان.

* التدخل العسكري الأميركي في العراق وسوريا: لم يحدث اي رد فعل غريب حين قصفت القوات الاميركية قوافل واهدافا لتنظيم "داعش" الارهابي في العراق، والذي تزامن مع تصاريح لكبار المسؤولين الاميركيين حول ضرورة تويه ضربات عسكرية لـ"داعش" حتى داخل الاراضي السورية(2).

وهذا الأمر يظهر بوضوح، وفق المصادر المتابعة، أنّ أميركا والدول الغربية قرّرت المضي قدمًا في التعامل مع الحكومة السورية وهو الرهان الذي كسبه الرئيس السوري بشار الاسد ومن خلفه موسكو وطهران وبالطبع... "حزب الله". وإنّ ما يُقال عن عقوباتٍ أميركية على ايران بسبب برنامجها النووي ليس سوى ذر للرماد في العيون. وهو أيضًا أمرٌ يصبّ في خانة الانفراج اللبناني.

* التقارب الايراني-السعودي: على الرغم من عدم صدور إشاراتٍ علنية عن النتائج المباشرة لزيارة مساعد وزير الخارجية الايراني حسين عبد اللهيان الى السعودية الاسبوع الفائت سوى الحديث عن ضرورة العمل لمواجهة التطرف والارهاب، برز موقفٌ لافتٌ لوزير الخارجية الايراني حيث قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفنلندي اركي تيوميويا انه مستعد لزيارة السعودية، كما استقبال نظيره السعودي سعود الفيصل في طهران.

هذا التطور المهم، لم يكن وليد الساعة، بل تم التحضير له منذ شهور عدة وهو بالطبع لا يتعلق فقط بمحاربة الارهاب بل بالتباحث حول وضع المنطقة ككل في ظل الدور الايراني الجديد. ومعلوم أنّ للبلدين تأثيرًا مباشرًا على لبنان.

وتخلص المصادر المتابعة إلى أنّ هذه التطورات الثلاثة كفيلة بتأكيد المسار الصحيح لمعالجة الامور في لبنان، لأنّ الوضع في سوريا والعراق ينعكس حتما عليه، وبالتالي، فإن الحل كالعادة سيكون ضمن "صفقة شاملة" تبدأ برئاسة الجمهورية ولا تنتهي عندها.

ولكنّ المصادر نبّهت إلى أنّ الامور لم تنضج بعد، وتحتاج الى وقت ليس بقصير، وبالتالي فإن العصا السحرية المنتظرة تقف على معبر المصالح الاقليمية والدولية، فيما ينتظر اللاعبون اللبنانيون السيناريو الموضوع للعب دورهم كاملا، فيتحول الاسود الى ابيض والاعداء الى حلفاء، فيما يبقى اللبناني رهينة المزاج الاقليمي والدولي، وسلطة المسؤولين الذين يتحمل مسؤولية وصولهم الى مراكز القرار.

(1)في 14 تموز 2014، نفى مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان نبأ دخول قوات عسكرية إيرانية إلى العراق.

(2)نقلت وكالة "رويترز" في 25 آب الفائت عن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي انه"يجهز مع القيادة المركزية خيارات التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا عبر مجموعة من الأدوات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية". كما نقلت الوكالة نفسها وفي اليوم نفسه عن مسؤولين أميركيين آخرين تأكيدهما تجهيز خيارات توجيه الضربات ضد "داعش" في الأراضي السورية.