ليست الظاهرة الإرهابية في لبنان وليدة تيار المستقبل، إلا أنّ هذا التيار نجح في استثمارها في نهر البارد، صيدا، طرابلس، عكار، وأخيراً في عرسال. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري اتجه التيار الأزرق الى وضع اليد على الدولة من خلال الضغط الخارجي عبر المحكمة الدولية والشهود الزور، والى وضع اليد على السلطة وإقصاء من يخالفه الرأي، والاستثمار في الإرهاب. دعَمَ تيار المستقبل «فتح الاسلام» الذي نشأ في كنفه وموّله، وخصّص لهذا التنظيم مبلغ 52 مليون دولار، الى أن وقعت الواقعة وتقاعس عن الدفع . فما كان من مسلّحي «فتح الاسلام» يومذاك إلا ان سطوا على بنك البحر المتوسط في أميون ـ الكورة، والذي كانوا يتموّلون منه، وسرقوا المبلغ الذي كان يُخصّص لهم شهرياً.

حصلت عملية السطو. تمكّن فرع المعلومات من تحديد مكان لجوء الشبكة في شارع المئتين، وسارع الى تنفيذ عملية الاقتحام من دون إبلاغ الجيش بالأمر. إلا أنّ تنظيم «فتح الاسلام» يومذاك كان متحضّراً وعلى أهبة الاستعداد. ضرب أماكن التفتيش العسكرية وتمكّن من قتل أكثر من 25 عسكرياً. لتشتعل معركة مخيم نهر البارد الذي انتقلت اليه الإمدادات من مقاتلين وعتاد من مخيم عين الحلوة بسيارات تابعة لبعض القوى الأمنية.

استثمر تيار المستقبل في التنظيمات الإرهابية. ولا يزال حاملاً لواء الدفاع عن موقوفي سجن رومية، على رغم أنه لم يفكر يوماً منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بمحاكمة هؤلاء، في محاولة لإبقاء هذا الملف ورقة يتمّ تحريكها عند الحاجة بدوافع ليست محلية فحسب، وإنما اقليمية.

لم يهتمّ يوماً بأنّ الجيش اللبناني كان ضحية استثماره هذه التنظيمات. استمرّ في سياسته التي تمثلت في تغطية الاعتداء على الجيش في عبرا من قبل الإرهابي الفارّ أحمد الاسير وقتل عدد من عناصره وما أعقب ذلك، من توكيل النائب بهية الحريري عدداً من أعضاء قطاع المحامين في تيار المستقبل الدفاع عن الموقوفين الصيداويين ضدّ الجيش، إلى حادثة الكويخات، فطرابلس التي شهدت أكثر من 20 جولة من المعارك بين باب التبانة وجبل محسن، وصولاً إلى أحداث عرسال 2013 والتي أدت الى استشهاد الرائد بيار مشعلاني والمعاون أول ابراهيم زهرمان، والى أحداث عرسال الشهر الفائت وما رافق ذلك من استشهاد عدد من العسكريين وأسر عدد آخر منهم ومن قوى الامن الداخلي، ليتجلّى الأمر في احتضان هذا التيار في شكل علني وواضح للجماعات التكفيرية، ورفضه قيام الجيش بالخطة الأمنية لضبط الحدود، وتحميله مسؤولية ما يجري لأهالي عرسال عبر التحريض المذهبي الذي عبّر عنه نواب الشمال خالد الضاهر معين المرعبي ومحمد كبارة.

ويؤكد خبراء عسكريون أنّ المسؤولية الأولى لأحداث نهر البارد، إضافة إلى انعدام الاستقرار في عكار وصولاً إلى خروج «إمارة» عرسال على السلطة اللبنانية، تقع على عاتق تيار الرئيس سعد الحريري، الذي باعتقاده أنّ إعادة الأمن تتطلّب عودته الى السلطة وإجبار الآخرين على تنفيذ مطالبه. وحالياً يتولى هذا التيار في الحكومة السلامية وزارتي الأمن والقضاء. ما وضعه وجهاً لوجه أمام الإرهاب الذي رعاه، فالذين ألقي القبض عليهم من تكفيريين سارعوا الى فضح سياسته، لا سيما سياسة وزير العدل اللواء أشرف ريفي والعقيد المتقاعد عميد حمّود.

يعمد تيار المستقبل إلى المقايضة اليوم بين العسكريين المختطفين والموقوفين في سجن رومية، على رغم أنّ النيابات العامة المرتبطة بوزارة العدل يمكنها أن تلجأ بناء على توجيهات الوزارة إلى تخفيف الأحكام عن الموقوفين، لكن ليس باستطاعتها إلغاء حكم صدر بحق موقوف لأنه بحاجة الى عفو عام. كما حصل مع موقوفي الضنية ورئيس حزب القوات سمير جعجع في عام 2005. إلا أنّ القانون لا مكان له في السياسة اللبنانية، فالتسريبات تؤكد أنّ هناك قطرياً وسعوديّيْن موقوفان في سجن رومية وراء عملية المقايضة التي لن يتراجع عنها « الزرق» لدوافع إقليمية، هذا فضلاً عن مطالبة «جبهة النصرة» بالإفراج عن 36 معتقلاً في مقابل تسعة عسكريين مخطوفين لديها.

يرفض تيار المستقبل الكلام على أنّ الموقوفين الإسلاميين هم ضحايا لسياسته في لبنان، وأنه الراعي للمقايضة، ويعتبر أنّ وجود حزب الله أدّى الى تطرّف من الجانب السنّي، وأنّ تيار المستقبل اليوم يعيش بين تطرف حزب الله من جهة والإرهاب من جهة أخرى، والمنطق يقول إنّ حزب الله هو من استخدم هذه المجموعات للهجوم على تيار المستقبل.

بيد أنّ أحد أبرز المتابعين لقضية الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية الشيخ نبيل رحيم يؤكد لـ«البناء» «أنّ ملف الموقوفين الإسلاميين في حاجة إلى عدل ومحاكمة لا إلى مقايضة، إلا أنّ هذه المحاكمة لا تحظى بموافقة فريق 14 آذار وتحديداً تيار المستقبل لاعتبارات تتعلق بتحالفاته الإقليمية، في حين أنّ فريق 8 آذار يرفضها لحسابات طائفية».

لا يخفي رحيم انزعاجه من أحداث طرابلس، على اعتبار «أنّ قادة المحاور في طرابلس الذين أوقفوا بقرار سياسي بعد تأليف الحكومة السلامية وتعيين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، هم ضحية الصراع السياسي الحاصل في البلد، فهؤلاء لم يموّلوا المعارك بل القوى السياسية في طرابلس هي من كانت تسلّح وتموّل المعركة. لكن في لبنان «بتروح على الصغار» فيما الكبار يسرحون ويمرحون ولا أحد يحاسبهم».

وعليه، قد يكون هؤلاء التكفيريون والسلفيون والإرهابيون ارتكبوا أعمالاً جرمية، إلا أنّ ذلك لا يبرّر الاستمرار في توقيفهم من دون محاكمة. والسؤال المشروع لماذا لا تزال قضية الموقوفين من إسلاميين وغير إسلاميين عالقة من دون محاكمة؟ لماذا لم يبادر القضاء إلى بت الموضوع وترَكَهُ عالقاً؟ هل الحكومات التي تعاقبت منذ أحداث نهر البارد يناسبها هذا الوضع لجهة عدم البت بهذا الملف؟