الحدث العرسالي منذ انتهاء العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني وتتبع اخبار «داعش» لا يزال الشغل الشاغل للرأي العام اللبناني إضافة الى القضية الأساسية التي قلبت الدنيا رأساً على عقب بأسر المسلحين لعدد من العسكريين وقيام «داعش» بإعدام الجندي علي السيد ثم إطلاق سراح عدد من العسكريين تحت وطأة تحرك الشارع السني الذي هدد وتوعد بمحاسبة النازحين السوريين وطردهم وإحراق خيمهم لاسترجاع ابنائهم المجندين من أسر «النصرة» و«داعش».

وواقع الحال ان ضغوطات الأهالي تقول مصادر متابعة للملف على الأرجح فعلت فعلها فتم إطلاق العسكريين السنة وتم التلويح بمصير مجهول للعسكريين من الطوائف الأخرى اي المسيحيين والشيعة باسلوب مدروس من التنظيم الإرهابي الذي ادخل ملف المخطوفين العسكريين في ملف البازار المذهبي والطائفي، مما جعل الخيارات تضيق امام العاملين على خط إطلاق المخطوفين وثبت كما تقول المصادر ان السلطة السياسية وجدت نفسها عاجزة عن ايجاد الحل العملي والمناسب الذي يكفل تحرير الأسرى بدون إراقة الدماء العسكرية مجدداً ومن دون ان يتكرر مشهد نحر جندي على غرار علي السيد على يد «داعش».

وواقع الحال ان السلطة السياسية تضيف المصادر وجدت نفسها امام احد الخيارات التالية لتحرير الجنود المخطوفين، فإما الطلب من الجيش القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق، او التفاوض مع الخاطفين، او العودة الى مطلب الخاطفين بإطلاق بعض السجناء الإسلاميين، وقد تبين كما تقول الأوساط ان الخيار ألأخير هو الأنسب والأقل كلفة، فالخيار العسكري من الصعب العودة اليه خصوصاً ان التقارير تشير الى توافد اعداد كبيرة من المسلحين «الداعشيين» المتوافدين من الحدود العراقية ـ السورية وان شن هجوم على هؤلاء في هذا التوقيت بالذات دونه حسابات كثيرة خصوصاً ان الهبة السعودية لم يتم تسليمها او الاستحصال على الآليات العسكرية والأسلحة اللازمة لمعركة عرسال «الجزء الثاني»، في حين ان التفاوض مع الإرهابيين امر ترفضه قيادة الجيش، وبالتالي فان العودة الى مطلب الخاطفين باطلاق الموقوفين الاسلاميين هو «أهون الشرور»، خصوصاً ان السلطة السياسية تسعى مع القضاء إلى عدم إطلاق الموقوفين المصنفين في خانة الإرهابيين الخطرين.

وتؤكد مصادر وزارية ان الدولة من الأساس لم تكن تملك القدرة على المبادرة في ملف الأسرى، وليس صحيحاً انها خضعت الى شروط الخاطفين والارجح ان الخيارات ضاقت امام السلطة بعدما بات واضحاً ان المجموعات الإرهابية عملت على الفرز المذهبي للجيش على اساس الانتماءات الطائفية والمذهبية للعناصر العسكرية، وعلى توتير الأجواء الداخلية واللعب بمشاعر اهالي المخطوفين العسكريين للضغط على المؤسسة العسكرية وتأليب اهالي الاسرى على مؤسسة الجيش وإظهارها بدور العاجز عن إيجاد الحل لتحرير ابنائهم من قبضتها.

وبالعودة الى الحل الذي تحاول إرساءه السلطة السياسية، فان الخيار بإطلاق بعض الموقوفين الذين تعمل الجهات القضائية والأمنية على درس ملفاتهم، لا يعني في الحسابات العسكرية ان الجيش قدم التنازلات، فالقيادة العسكرية كما تقول المصادر لم تتول عملية التفاوض مع الإرهابيين خاطفي العسكريين، ولم تتوان عن متابعة العمل الميداني وقتال التكفيريين في جرود عرسال حتى الساعة، وهي تكبدت الخسائر البشرية في صفوف ضباطها وجنودها لمنع الزحف «الداعشي» الى لبنان كما استطاع الجيش تعطيل مشروع «الإمارة الإسلامية» ففي حين ان غزوة عرسال توقفت فان غزوات داعش في المنطقة ما كانت تتوقف بدون سقوط المناطق التي تهاجمها داعش موقعة الكثير من القتلى والخراب والدمار الشامل.