دخلت قضية العسكريين الرهائن مرحلة جديدة في اليومين الماضيين تمثلت بالتفريق بينهم طائفيًا ومذهبيًا وسياسيًا والتعامل مع كل فريق منهم على حدى. فالمفاوضات لن تجري على أساس عسكريين مخطوفين بل على أساس فرز طائفي بين سنة وشيعة ومسيحيين، وهو ما جعل "​جبهة النصرة​" خاصة لاعبًا أساسيًا في الملعب السياسي اللبناني، وجعل بياناتها تتفوّق كمًّا وربما نوعاً على بيانات أمانة قوى "14 اذار".

إنّ قراءة بيان "جبهة النصرة" في القلمون الصادر يوم الأحد الماضي يُظهر بوضوح أنّ مرحلة جديدة قد بدأت، فأولا وبحسب المعلومات الخاصة بـ"النشرة" أدّى ذبح الجندي في الجيش اللبناني علي السيد، وهو سني المذهب، لوقوع بلبلة كبيرة في الشارع السني اللبناني وخصوصًا الشمالي المؤيد بعضه للجماعات المسلحة المقاتلة في سوريا. وتضيف المصادر: "إنّ تصريح النائب معين المرعبي عن رد الجميل وعتبه على الارهابيين يمثل الموقف الشعبي للشارع السني الذي أحسّ بطعنةٍ في ظهره ممّن دعمهم وسهّل لهم عملهم وقاتل معهم في كثيرٍ من الاحيان". وتشير المصادر إلى أنّ حادثة السيّد حرّكت دولا إقليمية بارزة أفضت لاتصالاتٍ سريعة مع جبهة "النصرة" تنصحها بإطلاق سراح العسكريين السنة قبل خسارة الشارع السني اللبناني الداعم لهم وبالتالي خسارة البيئة الحاضنة، وهذا ما حصل إذ استجابت "النصرة" للنصيحة وأطلقت الاحد 5 عسكريين ذات لون طائفي واحد كانوا رهائن لديها هم أحمد غيه، إبراهيم شعبان، صالح البرادعي، محمد القادري ووائل درويش، وأوردت في بيانها عبارة تتوجه عبرها لأهل السنة في لبنان: "لقد قمنا بإطلاق سراح أبنائكم كعربون محبة لكم فأنتم أهلنا وأنتم منا ونحن منكم".

لا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فالبيان المذكور توجّه لشيعة لبنان أيضًا، وأعاد نفس السمفونية القديمة التي تطالب "حزب الله" بالخروج من سوريا وإلا فإنّ العسكريين الشيعة لديها سيكون مصيرهم الذبح. وردًا على ما صدر في وسائل اعلامية بأنّ الحزب قام بأسر عددٍ من قياديي "النصرة" في القلمون لمبادلتهم بالعسكريين، تقول المصادر: "في كلّ يوم يمرّ، يأسر حزب الله مقاتلين وجثثاً في المعارك التي تجري في جرود القلمون، إلا أنّ ذلك لا يهمّ الجماعات الارهابيّة، فثقافتهم لا تحتوي على اهتمامهم باسترداد أسراهم، فمنذ شهر تقريبًا فتح حزب الله خطًّا غير مباشر للاتصال بجبهة "النصرة" لعرض تبادل اسرى وجثث بحوزته مقابل 4 جثامين له سقطوا في المعارك الاخيرة، ليتضح لقيادة الحزب أنّ هذه الجماعات لا تهتم بأسراها ولا بالجثث، وبالتالي لم تكن التجربة مشجّعة".

وتوضح المصادر أنّ "الهمّ الاساس لدى "النصرة" و"داعش" هو قضية الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية بالاضافة الى المال"، لافتة النظر إلى أنّ هذه القضية تشكل مدخلا للساحة الاسلامية السنيّة في لبنان، وبالتالي يتم التنافس الشديد بين الجماعات المسلحة للظفر بهذا المدخل.

"النصرة" تساند جعجع بوجه عون!

وفي نفس البيان أيضًا، تتوجه "النصرة" إلى مسيحيي لبنان، وهنا كانت المفاجأة، اذ حمَل البيان (الذي كتبه مواطن لبناني حسب المصدر)، مسؤولية استمرار خطف العسكريين المسيحيين، لـ"التيار الوطني الحر"، فجاء في البيان: "لقد حرم "التيار الوطني الحر" بأفعاله اخيرة عدداً من أبنائكم بأن يعودوا من اسر فالزموا الحياد"، ليذكرنا ذلك بخطابات سياسيين بارزين في قوى "14 اذار"، يحمّلون "التيار الوطني الحر" فيها مسؤولية التعطيل وتعريض المسيحيين للخطر بسبب تحالفه مع "حزب الله". وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أنّ جبهة "النصرة" أمست لاعباً اساسياً على الساحة اللبنانية، فهي دخلت بالتفاصيل السياسية الضيقة لتكون حليفة لقوى "14 اذار" وتختار رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ كمدافع عن المسيحيين وتحاول تظهير رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" ميشال عون وكأنه سبب الخطر عليهم، معتبرة أنّ صوت الارهابي أحمد الأسير أو سراج الدين زريقات تصب في نفس الخانة، فصوتهما من اصوات "النصرة" في لبنان وهما دائما ما يميّزان بين جعجع وعون ويحاربان الثاني. وتشير المصادر إلى أنّ "النصرة" عن قصد أو عن غير قصد تحاول رفع أسهم جعجع على حساب عون، في الشارع المسيحي، وتصوير الاول على انه حامي المسيحيين في لبنان.

بعد أن دخلت "النصرة" لبنان من الباب الامني، تدخله اليوم من بابه السياسي، فهي اتخذت موقعها على الخريطة السياسية واعلنت انضمامها الى تحالف "14 اذار" عبر توجيه رسائل سياسية في أكثر من اتجاه. من هنا، وانطلاقا من كون العجائب في لبنان تحصل يوميًا، فليس من المستبعد ان تعلن "النصرة" مستقبلا نيتها خوض الانتخابات النيابية في الشمال.