في علمِ الاجتماعِ كما في علمِ التّربية، فإنّ المسؤوليّةََ الفرديّةَ منوطَةُ بشخصِ المستفيدِ منها، كما بالمهاراتِ الذّاتيّةِ الّتي تخوّلُه أنْ يكون مسؤولاً عن نفسِه. وعليه فالأهل مثلاً "يَمنحون" أبناءَهُم المسؤوليّةَ حينَ يتأكّدون من وعيِهم وإدراكِهم وحسن التصرُّف.

فإذا طبّقنا ذلكَ على شعبٍ لَطالما أثبتَ مهاراتِه الوطنيّة، وتضحياتِه بأبنائِه وفلذات الأكبادِ ذودًا عن الوطن. أفلا يحقُّ له أنْ يكونَ أيضًا شريكًا في انتخابِ رئيسٍ للبلاد، في وقتٍ فشلَ ساستُه المُنتَخَبون في ذلكَ؟(1)

هَل يُركَنُ إلى الشّعبِ فقط في الواجباتِ، دون احترام الحقوقِ والمشاركة الفعليّة في القرارات الوطنيّة؟(2)

وماذا نقولُ إلى مَن استُشهدَ في طريقِه إلى العملِ؟(3) أو دفعَ حياتَه ثمنًا لأمنٍ لم يتمكَّن المسؤولون من توفيرِه له؟(4) أو كانَ مصيرُهُ ثمنَ رسالةٍ إقليميّةٍ أو خارطةِ طريقٍ دوليّةٍ تمرُّ بالتّوتيرِ الأمنيِّ "الخلاّق"؟(5)

وماذا نقولُ إلى شهداءِ الجيشِ الّذين يُزجُّ بِهِم في أتونِ المعارك السّياسيّةِ والحساباتِ المناطقيّةِ–الطّائفيّةِ البغيضة؟(6) ومَن أحرصُ من الجيشِ في الإتيانِ برئيسٍ يكفّ يدَ السّياسيّين عن اللعبِ بمصيرهِم؟(7)

ولماذا لا يُعاد النّظر في عدمِ مشاركةِ الجيشِ والقوى الأمنيّةِ في اختيارِ رئيسِ لبنان، كلِّ لبنان؟(8)

كيفَ لا يُمنحُ كلُّ هؤلاءِ حقوقًا استحقّوها بعد 39 عامًا من حروبِ الآخرينَ على أرضِنا وتواطؤِ السّاسةِ المحليّين لإمرارِ الأجنداتِ الغريبةِ الهدّامةِ والمميتة؟!(9)

صحيحٌ أنَّ اللعبةَ الدّوليّة لن تتغيّر، والخارطاتِ المتناقضةَ ستبقى، إلاّ أنّ الدّولَ العربيّةَ الشّقيقةَ والغربيّةَ البعيدةَ، لن تتمكّن حينها من فرضِ رئيسٍ يكونُ في مستوَى طموحاتِها هي، أو أنّه يأتي تسويةً للمصالحِ الإقليميّةِ والدّوليّةِ المتقاطعة...

حتّى في علمِ القانون فالـ "الآدابُ الدّستوريّةُ" تحتّمُ عملاً معيّنًا للخروجِ من المأزقِ... وأيُّ مأزقٍ يُضاهي ما يمرُّ فيه لبنانُ الآن؟(10)

وإذا كانَ مصدرُ السّلطاتِ هو العودةُ إلى الشّعب... إلاّ أنَّ المعضلةَ تكمنُ في أنّ غالبيّةَ السّاسةِ عندَنا لا تجرؤ على سؤالِ: "ماذا يريدُ الشّعبُ"؟(11) فهُم يأخذونَه – وللأسفِ – مطيّة للوصول إلى أهدافِهِم...

أو أنَّهُم أعجزُ من إقرارِ حقٍّ شعبيٍّ عامّ ينقذُهم من "مَوْنَة" الدّولِ عليهِم، كيلا نقولَ ارتهانَهم إلى الخارجِ؟(12)...

لا أيُّها السّادةُ السّياسيّون... لا تنفَعُ "مبادرةُ سيّدةِ الجبل" وغيرُها، إلاّ لذرِّ الرّمادِ في العيون، لأنَّها لا تُعطي صاحبَ الحقِّ حقّه.

فاعطوا الشّعبَ حقّه ولو لمرّةٍ واحدة، وانأوا بأنفسِكُم من التزلّمِ للخارجِ، وخَفّفوا الضَّغطَ عن كاهلِكم، واتركوا الجمهوريّةَ تبني مدامكَها وترمّمُ هيكلَها...

وبعد...

إنّ هذه الخطوةَ لن تتحقَّق إلاّ في ظلّ إصرارِ الشّعبِ على انتخابِ رئيسِه... فالحقوقُ عندنَا لا تؤخَذُ إلاّ غلابا!

* صحافي وتربوي