بعد عامين على انتشار صيت الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"، إضافة إلى "النصرة" وباقي الجماعات الارهابية المسلحة، خاضت هذه الجماعات أولى معاركها الرسمية بمواجهة ​الجيش اللبناني​ في الشهر الماضي في عرسال وجرودها بعد اعتقال الارهابي عماد جمعة من قبل مخابرات الجيش.

توقفت ما سمّيت بمعركة عرسال بعد تدخّلات سياسيّة محلية واقليميّة، وبقيت أسرار توقف المعارك شبه مخفية حتى الساعة، إلا أنّ هذه ليست قضيتنا اليوم، لكنّها تتمحور حول كيفية تعاطي الرأي العام اللبناني مع الجيش بمرحلة المعركة وما بعدها.

مع نهاية أحداث عرسال، شعر البعض بالصدمة إزاء واقع توقف المعارك دون استرداد الرهائن أولا، ودون خروج المسلحين الارهابيين من الأراضي اللبنانية ثانيا، بل تمركزهم في جرود عرسال وأحياناً تواجدهم داخل البلدة ولو بشكل مدني، ما أدّى لسيل من الادّعاءات بحقّ الجيش اللبناني وتحديدا لشخص قائده العماد ​جان قهوجي​ الذي اتهم بادخال السياسة في اللعبة العسكرية والمساومة على أرواح الجنود حسب ما زعم البعض.

إنّ التحامل على الجيش اللبناني وقيادته في هذه الظروف الدقيقة يُضرّ المؤسسة العسكرية الضامنة لوحدة لبنان ويشكل خدمة مجانية للارهابيين الذين لا يوفرون فرصة إلا ويهاجمون الجيش. كما أنّ هذه الافتراءات على الجيش لم تصدر فقط عن مواطنين عاديين بل للاسف عن سياسيين ومسؤولين يفترض بأنهم على القدر الكافي من المسؤولية في هذه الظروف الدقيقة.

إنّ ما حصل في عرسال كان يمكن أن يتطور إلى الأسوأ لولا تدخل الجيش اللبناني، حسب ما يؤكد مصدر مطلع لـ"النشرة"، مشيرًا إلى أنّ الموقف السياسي الذي كان يسيطر على عرسال وجرودها ويفتح المجال أمام المسلحين بالمرور والتجمع والتسلح والعلاج هو من يتحمل مسؤولية تعريض لبنان للخطر الذي هو فيه اليوم. ويضيف: "إنّ ما قام به الجيش خلال المعركة هو أقصى ما يمكن لجيشنا القيام به لاعتبارات عديدة أهمها العتاد والعديد، وحرص القيادة بشخص قهوجي على عدم وقوع أيّ جريح عرسالي بضربات الجيش، لأنّ من شأن هذا الأمر إن حصل إعطاء ذريعة لكل المتطاولين على القيادة العسكرية لاطلاق حملة تحريض طائفيّة ومذهبيّة بوجهه مما قد يؤدي لمجموعة من الأخطار لا تُحْمَدُ عقباها".

ويكشف المصدر أنّ "عدد المقاتلين الارهابيين المتواجدين في منطقة عرسال وجرودها قد يصل الى حدود 15 الف مقاتل اذا ما احتسبنا عدد الذين يستطيعون الوصول الى منطقة العمليّات العسكريّة خلال ساعات فقط عبر طرق الامداد التي ما زالت قائمة. ويقول: "إنّ الارهابيين الذين هربوا من معركة القصير وتوجهوا نحو يبرود، هربوا مجددا عند بدء المعارك في الاخيرة والقلمون الى جرود عرسال مدججين بالسلاح الحديث على متن 740 آلية، وتمركزوا هناك".

ويؤكد المصدر انه لا يجوز الطلب من الجيش اللبناني ان ينجح بما عجز عنه "حزب الله" و​الجيش السوري​، اذ ان المعركة ليست سهلة وجغرافية الارض تصعب على اعتى الجيوش. ويضيف: "منذ اسابيع خسر حزب الله 4 نقاط عسكرية بجرود عرسال وهو حتى الساعة لم يستطع استعادتها، وبالتالي كفى تحاملا على الجيش اللبناني، لان اقصى ما يمكنه فعله اليوم بظل كل الظروف التي سبق واشرنا اليها هو منع الارهابيين من النزول الى عرسال".

إنّ كلمة الشكر لعناصر الجيش اللبناني لا تكفي، لأنّه وجد نفسه بمواجهة إرهابٍ احتلّ مدنا اقليمية أكبر مساحة من لبنان، واستطاع صدّ هجوم إرهابيين يمتلكون من الأسلحة كمًّا ونوعا، ضعف ما يمتلكه واكثر. إنّ جنود الجيش يحاربون بقلوبهم قبل سلاحهم والانتقادات التي توجه اليهم يجب أن توجّه لمن يسيطر على القرار السياسي ولمن بيده قرار دعم وتسليح هذه المؤسسة الوطنية.