تتسارع التطورات والأحداث على الصعيدين الإقليمي والدولي بشكل لافت، في هذه الأيام، بدرجة تفوق قدرة القوى السياسية اللبنانية على تفهمها إلى حد بعيد، الأمر الذي يدفع معظمها إلى انتظار نتائج ما سيحصل في الأيام المقبلة من أجل البناء عليه، لا سيما أن الإنقسام السياسي الداخلي يمنع أخذ مواقف واضحة، ما يعني العودة ربما إلى نغمة "النأي بالنفس" المشهورة.

في العالم، يتكون اليوم حلف جديد لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، تضع حوله أكثر من دولة فاعلة، لا سيما روسيا والصين وإيران، ملاحظات كبيرة، في حين تعتبر الحكومة السورية أن أيّ عملية عسكرية تحصل على أراضيها دون التنسيق معها إعتداء، وهنا قد يكون من الصعب معرفة الموقف اللبناني الفعلي من هذا الحلف، فقد ذهب وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ إلى السعودية للمشاركة في مؤتمر جدة، لكن على ما يبدو ليس هناك نظرة موحدة لكيفية التعامل مع الواقع المستجد.

الإنقسام مستمر

في هذا السياق، تفضل قوى الثامن من آذار إنتظار عودة وزير الخارجية والمغتربين لمعرفة ما يحصل هناك، وتعتبر أن طرح الموضوع لا يزال سابقاً لآوانه، إلا أن عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب ​كامل الرفاعي​ يرى أن الموقف الأميركي لا يوحي بالثقة حتى الساعة.

ويشير، عبر "النشرة"، إلى أن الحلف الجديد لا يؤشر إلى جدية في محاربة الإرهاب، ويسأل عن كيفية التعامل مع الظاهرة الموجودة داخل الأراضي السورية، ويفضل أن يصفه ب​التحالف الدولي​ لمساعدة العراق أكثر من كونه تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب.

أما بالنسبة إلى قوى الرابع عشر من آذار، فلا يرى عضو كتلة "المستقبل" النائب ​خالد زهرمان​ أيضاً وجود جدية من المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، ويعتبر أنه كان من الممكن تجنب كل ما يحصل لو كان الموقف واضحا منذ بداية الأزمة السورية، ويشير إلى أن المطلوب معرفة موقف هذا التحالف من كل أنواع الإرهاب، لأن ما يقوم به النظام السوري والمليشيات الإيرانية إرهاب أيضاً، على حدّ تعبيره.

ويتمنى النائب زهرمان، في حديث لـ"النشرة"، أن لا يكون هناك نيات أخرى لهذا التحالف تتمثل في رسم خارطة المنطقة من جديد، لكنه يلفت إلى أن ما يعني اللبنانيين منه هو تحصين الساحة الداخلية ضد أي إعتداء إرهابي أو إسرائيلي، إلا أنه يعرب عن أسفه لأنهم منقسمون على كل شيء في هذا المجال.

ماذا عن التداعيات؟

أما في ما يتعلق بالتداعيات على الصعيد اللبناني، يعتبر النائب الرفاعي أن لهذا المؤتمر تداعيات حتماً، لكنه يفضل التروي في الحديث عنها لمعرفة مدى تأثيرها على الأوضاع الداخلية، ويرى أن لبنان سينتظر ما سيأتي إليه في الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل المواقف الأميركية والسعودية التي لم تخرج من مظلة السعي إلى إسقاط النظام السوري.

وعلى الرغم من تأكيد النائب الرفاعي أن سياسة "النأي بالنفس" لم تجلب إلا المصائب للبلاد، يرى أن من الممكن العودة إلى طرحها من جديد في التعامل مع التطورات الحالية، خصوصاً أن لبنان محكوم بتوازنات خارجية وداخلية لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار.

من جانبه، يعتبر النائب زهرمان أن هناك بعض الأمور التي يجب الإتفاق عليها بين اللبنانيين، وفي حال عدم القيام بذلك ستبقى البلاد عرضة للكثير من الإهتزازات، ويشير إلى أن من الضروري الجلوس إلى طاولة حوار من أجل إعادة إحياء المؤسسات الدستورية أولاً، ومن ثم إنسحاب "حزب الله" من الداخل السوري، وتحصين الحدود بشكل كامل، ناهيك عن توحيد النظرة إلى كيفية معالجة أزمة النازحين السوريين.

ويؤكد النائب زهرمان أن عدم الإتفاق على النقاط التي يطرحها يعني أن الموقف من هذا التحالف لن يقدم أو يؤخر، سواء نجح أم فشل، ويعرب عن أسفه لأن لبنان ليس أكثر من ساحة إنتظار لما يجري حوله من أحداث، لكنه يشدد على أنّ الإتحاد يحمي لبنان من أي تداعيات سلبية.

في المحصلة، لن يكون من السهل معرفة الموقف اللبناني الرسمي من الحلف الجديد في وقت قريب، لكن على الأرجح لن يكون بعيداً عن ضبابية المواقف السابقة من أي قضية، على أمل ألا يؤدي ذلك إلى المزيد من النتائج السلبية التي بدأت تظهر بشكل واسع على الساحة الداخلية.