لم تكتمل بعد صورة المشهد الجيوسياسي الذي تحاول واشنطن تظهيره من خلال إطلاقها الحرب على الارهاب في ظلّ ثغراتٍ كثيرة كشف عنها دبلوماسي شرقي، أبرزها عدم التشاور مع بعض الدول الفاعلة في العالم والتغاضي عن إشراك دول اقليمية ذات تأثير كبير في المعادلة الاقليمية على غرار ​إيران​ أو سوريا وهي المعنية الاولى في الحرب على الارهاب بعد أن تحولت بفعل الحرب المستمرة على أراضيها إلى صاحبة باع مخابراتي وعسكري في ملاحقة الخلايا والكشف عنها.

مستندا الى الكثير من المعلومات والتحاليل، يعرب الدبلوماسي عن اعتقاده بأنّ الحراك الأميركي لمحاربة "داعش" لن يصل إلى نتائج ملموسة أقله في غضون الأشهر والسنوات القليلة المقبلة، فواشنطن التي تحاول حشد تأييد عربي دون الدولي والعالمي لحربها ضد "داعش" لا تريد على الاطلاق إنهاء التنظيم التكفيري الارهابي بحسب التعبير، بل حصر أخطاره ضمن دائرة الدول العربية والاسلامية بعيدا عن اوروبا واسرائيل تحديدا، وما المواقف المتناقضة الصادرة عن وزير خارجيتها جون كيري في أعقاب جولته على دول المنطقة سوى دليلا على هشاشة الخطة الاميركية وعدم التعويل على نتائجها، خصوصًا أنّ حصرها لصفة الارهاب بتنظيم "داعش" دون سواه يخفي الكثير من الشكوك حول الهدف الحقيقي وما اذا كان القضاء فعلا على "داعش" أو محاصرتها وتحضيرها لحرب استنزاف طويلة تستنزف الدول الخليجية الى جانب العراق وتركيا وسوريا.

ويحدد الدبلوماسي مكامن الخلل المتعمد، فيرى أنّ واشنطن تعمّدت عن سابق تصور وتصميم إبعاد ​روسيا​ ودول "البريكس" عن سياسات المنطقة، بل أكثر من ذلك، عزلها عن أيّ إمكانية للتأثير على سياسات الدول المصدرة للنفط والمنتجة له من خلال اشغال روسيا بالازمة الاوكرانية المفتعلة ومن ثم بالعقوبات الاقتصادية فضلا عن إقصاء الحليف الاقليمي الاقوى أي إيران عن كلّ ما يمكن أن يساعد في الحرب على الارهاب، مع علم واشنطن اليقين بتأثير موسكو وايران على سوريا من جهة وشيعة العراق من جهة ثانية، ناهيك عن قدرة طهران على تحريك الشارع اليمني وبعض الشارع السعودي، ما سيؤدي إلى جولةٍ جديدة من الكباش لن يستفيد منها سوى تنظيم "الدولة الاسلامية" لعدة اعتبارات، أولها إمساكه بالكثير من خيوط اللعبة وثانيها وليس آخرها استمرار دعم حركات المقاومة التي لن ترضى بالتدخل الاميركي المباشر والمستند الى قرارات اممية لم تأخذ بالاعتبار مواقف الدول الكبرى المؤسسة الى الحرب على الارهاب.

في هذا السياق، يتوقف المصدر عند إمكانية الرد السوري، فيعرب عن اعتقاده بأنّ النظام السوري سيعمل بدءا من الآن على فتح ممرات آمنة لجبهة النصرة وتنظيم "داعش" وكلّ ما يمتّ إليهما بصلة باتجاه الحدود التركية والاردنية لتحويل المسار الأميركي خصوصًا أنّ عودة الحديث عن إسقاط النظام لن ترضي أيًا من دول المحور لعدم وجود بدائل مقبولة فضلا عن عدم وجود معارضة معتدلة وأخرى متشدّدة أقله بالنسبة إلى روسيا وايران، وبالتالي فإنّ مشهد سقوط مطار الطبقة قد يتكرّر في الكثير من الأرياف المتاخمة لتركيا بشكل خاص، وهذا ما يفسّر الحذر التركي المتمثل بعدم المشاركة بالحرب الاميركية على الارهاب، وإن كانت تقبل بها علمًا بأنها قد تكون واحدة من الدول المعنية بكلّ الأحداث الجارية لاعتبارات عدة أبرزها التداخل التركي بالملفين الكردي والعلوي في سابقة قد تنذر بحرب مفتوحة من المرجح أن تبدأها واشنطن من دون قدرتها على انهائها وان كان من باب حفظ الوجه، خصوصًا أنّ الحراك الروسي المعتمد على الهدوء وعدم الصخب معطوفا على الاداء الايراني البارد بحسب الوصف قد يقلب الطاولة على الجميع ويؤسس الى مشهد مماثل لذلك الذي حصل في فيتنام مع تبدل في الاسماء والمواقع في ظل خشية مبررة قائمة على تكرار الاخطاء اذا لم يكن تعمدها لاهداف ستظهر لاحقا وفي القريب العاجل.