يتفنن المسؤولون في لبنان في ابتكار أساليب جديدة لاصابة اللبنانيين باليأس ولإشعارهم بأنه يجب عليهم التخلي عن هذا الوطن. فبعد مسألة الحروب اللامتناهية التي تستقرّ في لبنان، والعجز الاقتصادي الخالد، والوضع الاقتصادي المذري، والنعرات الطائفية المستعرة، إلى آخره، انتفض بعض النواب وأبوا أن يبقوا خارج دائرة حال الاشمئزاز التي يشعر بها المواطنون في هذا البلد.

لم يكف هؤلاء النواب "القرارات التاريخية" التي اتخذوها سابقاً والتي عكست صورتهم الحقيقية التي لم تجمّلها طلتهم غير البهية على الشاشات، وبذلاتهم الثمينة التي لم تحجب نفسيتهم الرخيصة، بل أمعنوا في استهداف المؤسسة العسكرية فيما لا تزال دماء شهدائه، الذين سقطوا دفاعاً عنهم بالذات، تروي التزامهم بشعار المؤسسة العسكرية.

لعلّ شعار ​الجيش اللبناني​ استفز هؤلاء، فلا الشرف فعل فعله بهم، ولا التضحية خرقت قلوبهم المتحجرة، ولا الوفاء دق بابهم الصدئ. وعلى الرغم من أنّ القانون يطالهم بسبب ما يقولون، فضّلوا التحصّن خلف "حصانتهم" النيابية التي وصلوا إليها بـ"عرق جبينهم" و"كفاءتهم" و"ثقافتهم" وأفكارهم الثورية القريبة من الشعب.

لم ينجح كلّ من حاول فك طلاسم هذه الحفنة من النواب لمعرفة السبب الذي يفتح من أجله فمهم للكلام، في معرفة سر هذه المواقف التي تقشعر لها الابدان، وفشلوا في تفسير بعض الذرائع التي فكروا بها لتبرير ما يقوله من يفترض به أن يكون ممثلا للشعب. والمصيبة الاكبر التي تهدد اعصاب الشعب، هي أنّ التمديد للمجلس النيابي سيبقي هؤلاء في مناصبهم فترة اضافية، فتتحول عندها المصيبة الى كارثة.

- من المؤكد أنّ ما يقولونه لا يعزز العيش المشترك ولا يخدم قضية الوطن. فالنعرات المذهبية والطائفية التي يثيرها هؤلاء كفيلة باشعال حرب أهلية في غضون دقائق قليلة، ولو أنّ الشعب يعبّرهم بالفعل لا أمام إعادات مكررة لمشاهد الاعوام 1975-1990، مع ما يعنيه ذلك من عودة الميليشيات والمعابر الحدودية بين المناطق... كما أنه لو لم يكن الجيش اللبناني وطنياً بكل ما للكلمة من معنى، لانقسم فوراً وذهب كل ضابط أو جندي إلى المنطقة التي يسيطر عليها زعيم طائفته.

- لن تنجح محاولات هؤلاء "النواب" في استمالة الجماعات الارهابية والتكفيرية المجرمة التي قد يعتقدون أنها ستسيطر وتستلم زمام الامور في لبنان أو الدول المجاورة. فحتى تلك الجماعات مع تخلفها وجهلها، لن تجعلهم من الممثلين عنها أو الناطقين باسمها، فحتى القبائل المتواجدة في غابات الأمازون غير المستكشفة بعد، لن تنصّب هؤلاء النواب كوجهاء أو زعماء. ويقيناً، إنّ أول ما ستفعله الجماعات الارهابية والتكفيرية في حال التقت بهم، هو اعتمادها للغة الوحيدة التي تعرفها وتفهمها وهي الاجرام والقتل. ولن يشفع لهم عندها اذا ما كانوا من الطائفة او المذهب نفسه، او انهم كانوا من المدافعين عن هذه الجماعات والتنظيمات الارهابية.

- هل يعتقد هؤلاء فعلا أنه حين يستفيق من انتخبهم ويدرك فداحة ما اقترفت يداه، سيحظون بمجموعة التصفيق والاستماع نفسها التي يرونها حالياً والتي ربما تمعن في تضليلهم ليعتقدوا أنفسهم أنّهم من كبار المحللين و"منقذي" الشعب من آلامه؟

- هل فكّر هؤلاء ولو للحظة أنه إذا تخلى الجيش اللبناني عن حمايتهم، باتوا أهدافاً سهلة لكلّ المجرمين والقتلة الذين يدافعون عنهم حالياً؟ وبمن يستنجدون عندها؟

حرام أن يستمرّ هؤلاء النواب في الكلام، فهم يسيئون إلى صورة لبنان وإلى صورة مجلس النواب اللبناني ككل، وإلى صورة اللبنانيين إن في لبنان أو خارجه.

وإلى اللبنانيين نقول: إذا ما واجهتم عوارض مرضية كالتقيؤ مثلاً ولم تنفع الادوية المعروفة والموصوفة من قبل الطبيب المختص في تحسّن حالكم، فقد يكون السبب المرض الخبيث الجديد الذي يغزو لبنان وهو تصريحات ومواقف بعض النواب، عندها عليكم بمقاطعة هؤلاء النواب وعدم الاستماع إلى سموم ما يتفوهون به، فستتحسن حالكم سريعاً على أمل ألا نشاهدهم مجدداً تحت قبة البرلمان ليكون الشفاء تاماً.