قد يكون من الصعب في المرحلة الراهنة معرفة الاسباب الحقيقية تقول مصادر ديبلوماسية التي جعلت الولايات المتحدة الاميركية تعلن فجأة وبدون مقدمات الحرب على ارهاب «داعش» والخلفيات التي حدت بواشنطن التي غضت النظر عن ارهاب المجموعات الاصولية المتطرفة في منطقة الشرق حتى لا نقول كانت داعمة لتوجهاتها وافكارها وقناعاتها الى ردح طويل من الزمن تاركة هذا الارهاب يعيث خراباً ودماراً وقتلاً وترويعاً بالشرق اوسطيين قبل ان تقرر اميركا انه آن الآوان لإنهاء حالة «داعش» ولضربه من العراق الى الدول المجاورة مع أولوية التركيز على بلاد ما بين النهرين وكأن اميركا قررت ان تواجه «داعش» في العراق وتتركه يسرح ويمرح في دول أخرى على قاعدة ان الأولوية اليوم لتلك البقعة التي تمكن منها «داعش» فاسقطها بقوة وتمكن من قهر الجيش العراقي الذي يفوقه عدداً وعديداً في اكثر من منطقة ومن تهجير وارتكاب المجازر ضد المسيحيين واليزيديين.

ولكن قبل ان تنجلي اهداف القرار الأميركي فان السؤال الأساسي حول جدية القرار الذي اتخذته الإدارة الاميركية وموضوعيته وعملانيته، وهل ان اميركا فعلاً جادة في إنهاء الظاهرة الارهابية لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ، وهل ان العملية التي ستخوضها في العراق ستمتد وستكمل لضرب القواعد الارهابية في سوريا ولاحقاً في لبنان ؟ وماذا بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربة «داعش»؟

ليس جديدا كما تقول المصادر ان تخوض اميركا معركة مع الارهاب فهي سبق ان دخلت في معركة مباشرة في اعقاب احداث ايلول 2001 على خلفية استهداف ابراج مركزي التجارة العالمي ، واذا كانت تلك المواجهة انتهت الى ما هو معروف بعد مضي سنوات طويلة بمحاربة الاميركيين لتنظيم اسامة بن لادن، فان معركة اميركا على تنظيم «داعش» يصعب التنبؤ بمسارها وتحولاتها باختلاف الاهداف التي تسعى الادارة الاميركية لتحقيقها من خلال حربها على ارهاب «داعش». فالقرار الاميركي لم يحصل خشية على العراق تضيف المصادر الذي كاد يفرغ من مسيحييه واقلياته والذي عصفت به الفتن المذهبية وليس حرصاً على سوريا من ارهاب «داعش» خصوصاً ان الولايات المتحدة في صدد العمل على تسليح المعارضة المعتدلة ، وكذلك لا مكان للبنان الذي وضعت اميركا الفيتو على تسليح جيشه لسنوات خلت خدمة لإسرائيل في الحسابات الأميركية إلا وفق اجندة مصالحها الإقليمية.

وإذا كان وزير الخارجية الأميركية جون كيري يقوم بجولاته المكوكية من اجل تأمين الحشد للعملية العسكرية ضد «داعش» والتي يتوقع ان تبدأ بعد شهر، فالواضح تقول المصادر ان دولا كثيرة لا تؤيد العملية العسكرية الاميركية المشبوهة لانتهاك سيادة الدول، وتضع التحالف الاميركي الذي انشأته واشنطن في دائرة الاتهام وحيث تكثر حوله علامات الاستفهام رغم ضرورته ومخاوف الجميع من اتساع قدرة وقوة «داعش». ومن جهة ثانية فان شكل العمليات العسكرية للقضاء على «داعش» لا يثير حماسة كثيرين بعد رفض الدول التي انضمت الى التحالف بالمشاركة الميدانية المتمثلة بارسال وحدات من المقاتلين، وحيث ان العملية العسكرية ستتوزع على الشكل التالي، تقوم دول التحالف بتأمين الحملة ومستلزمات الغارات الجوية التي ستنطلق من قواعد الدول التي وافقت على الاشتراك في المواجهة ضد «داعش»، فيما تتولى الدول العربية او دول الخليج بتوفير الدعم المالي للضربات القتالية المكلفة.

هذه العملية وفق توقعات المصادر الديبلوماسية يصعب الركون الى فعاليتها في مواجهة هذا التنظيم الذي ينمو بشكل مضطرد وعلى نحو سريع والذي بات يضم في صفوفه مجاهدين من الغرب هم الأكثر عقائدية وبربرية وفق الدراسات لتنظيم «داعش»، ولكن التجارب الاميركية في محاربة الارهاب لم تؤد الى استئصاله من جذوره بل اكتفت بتوجيه ضربات موجعة للارهاب على نحو ما حصل في افغانستان ، فالدعم الذي وفرته الادارة الاميركية للجيش النظامي في عدد من الدول لم يوفر على نيجريا مثلاً هجومات «بوكو حرام» التي تطبق شريعة الغاب في المناطق التي تهاجمها فتقتل وتحتجز وترهب الناس، وبالتالي بدا واضحاً ان الحرب الدولية على الارهاب في بعض الدول لم تصل الى مبتغاها او هكذا أريد لها ان تكون، وهذا ما ستكون عليه الحال في حرب التحالف الدولي على «داعش» التي ستخضع لسياسة المد والجزر وحيث ستطول الحرب التي اعلنتها القوى الحليفة لواشنطن لوقت طويل، ستقوم خلالها الدول الممسكة بالملف في المنطقة بفرض شروطها وتسوياتها وقواعد اللعبة الخاصة بها.