لن يكتب التاريخ. أو هكذا يراد أن يكون الأمر عليه. لثلاثة عقود مقبلة أو أكثر بقليل، لن يكتب كما هو. وهذا ما يحصل اليوم. للبنان الحديث رواية هي الأكثر إشراقاً. هي قصة المقاومة ضد العدو. تلك التي بدأت يوم قام كيان العدو، ولا تزال مستمرة. وهي قصة لها أبطالها الذين تتجدد أسماؤهم ووجوههم كل يوم، وتبقى فيها علامة فلسطين ثابتة، ومقاومة الاحتلال راسخة. لكن حملة الراية يتغيرون بالأسماء والعناوين والخبرات والإمكانات.

قبل 32 سنة، كان العدو يحتل العاصمة بيروت، واجه مقاومين على أبوابها، وداخل الأحياء، وانطلقت في حينه أكبر مقاومة أجبرته على مغادرة لبنان بصورة متدرجة من دون قيد أو شرط، وجعلت أيامه صعبة في فلسطين. وتحوّلت المقاومة في لبنان إلى نموذج ليس لأبناء فلسطين المحتلة، بل لأحرار كثر يواجهون الظلم أو الاحتلال.

في 16 أيلول من كل عام، يحتفل الآلاف بطريقة فردية بالمناسبة. ويتذكر آلاف آخرون الروايات عن تلك السنوات الجميلة في تاريخ اليسار اللبناني. لكن مشكلة تبرز مع خطاب هؤلاء، هي أن بعضهم توقف تاريخ المقاومة عنده يوم توقف اليسار عن دوره التاريخي لأسباب وأسباب.

في مقلب من يستمر في قيادة المقاومة تمرّ الذكرى عابرة. فيما مشكلة هؤلاء أن حكاياتهم هم، تتقدم على الحكاية الأصلية. فتفقد فصولاً أو تجعلها مجرد عناوين.

مشكلة الفريقين قابلة للحل، إن بادر أحدهما، أو طرف ثالث، إلى كتابة الرواية الكاملة التي لا تزال مفتوحة. وعناصر التوثيق موجودة في الأحياء الكثر من المقاومين الأوائل، وبما هو موثق أصلاً نصاً وصوتاً وصورة.

لكن هناك مشكلة أخرى لا علاقة للفريقين بها، بل بأولئك الذين كانت لهم بصماتهم في مرحلة ما من تاريخ المقاومة، لكنهم اليوم يقفون في الموقع المعادي لفكرة المقاومة، وليس لمن يحمل رايتها فقط. وهؤلاء يتصرفون كمن قرر غسل عاره بجريمة، فلم يمح العار. ويريدون لنا أن نصدق الفصل الحالي من روايتهم، وفيه أن ما كتبته دماء الشهداء كان مجرد خطأ!

ومن لا يعجبه واقع الأمر، فليس عليه إلا مواصلة الصراخ. لكن الأرض لا تسمع إلا أصوات الذين يلفّهم الخفر وهم يقدمون حياتهم ليبقى الآخرون على قيد الحياة!