من فرنسا تسرق قطر لقب “الأمّ الحنون” في الساحة اللبنانية. فكما وجد الإليزيه ضالته الشرق أوسطيّة في ملفاتٍ سياسيّةٍ مفصليّة أبرزها الملف الرئاسي، تفعل قطر ولكن في مهام الخطف “غير المستحيلة”.

حتى اليوم يدين لبنان نظرياً لأبناء حمد آل ثاني بعمليتي تحرير فيما تبقى الثالثة معلقةً بوعدٍ حصل عليه وفدٌ وزاري منذ أيام. لم تكن أي علامات استفهام لبنانية تحوم حول الدور القطري في تصاعد الحركات المتشددة في المنطقة إلا عندما أثمر تدخلها في ملف مخطوفي أعزاز إطلاقهم بشروطٍ مقنّعة لحفظ ماء الوجه لا أكثر. يومذاك بدأت قناعةٌ تترسّخ في نفوس اللبنانيين وتحديداً في كواليس المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بأن قطر “تحلّ وتربط”. ذاك الدور عاد لينتعش مع إطلاق راهبات معلولا بمسعى حميدٍ من حمد. نجحت العملية وانطلق العمل على تحرير المطرانين السوريَّين قبل أن تطفو في الجرود اللبنانية البقاعية عملية خطف العسكريين. منذ اليوم الأول للخطف لم تكن قطر خارج المعادلة على ما علمت “صدى البلد” بل رنّت هواتف قصر أميرها الشاب مراراً للاستعانة باليد “السحرية” القادرة على إيقاف جموح المتشددين على مختلف مسمّياتهم. حتى إن بعض الوفود أتت سرًّا الى بيروت واجتمعت بعددٍ من القيادات الأمنية والسياسيّة من دون الإفصاح عن ثمار اللقاءات خوفاً من تكرار تجربة “التسريبات الأعزازية المعرقلة” ولا سيما من جانب اللواء ابراهيم الذي اقتنع بأن الكثير من الكلام قد لا يعرقل ولكنه قد يكون ذريعة للخاطفين لتسويغ العرقلة.

لمَ قطر؟

في الأمس لجأ اللبنانيون رسمياً الى قطر. بعضهم وجدها فرصة مناسبة في طائرة العودة لتعويد شفتيه مجدداً على العبارة “الكليشيه”: شكراً قطر. الأجواء كانت تفاؤلية جداً على ما أكدت مصادر مواكبة للزيارة لـ”صدى البلد”. بلا كثيرٍ من الكلام والأسئلة التي ترسم شكوكًا أو تأتي في سياقٍ تحقيقيٍّ قد يضرّ بنواة القضيّة، اكتفى الوفد اللبناني بطلب التدخّل القطري والإشادة بأي جهدٍ في هذا المجال أياً كانت قنواته وطرائقه”. اكتفاء الوفد الرسمي بهذه “المجاملة” الضرورية لأن مصير العسكريين على المحكّ لم يمنع المواكبين من طرح سؤالٍ على بساطته: “لمَ قطر”؟ لمَ لا يتمّ اللجوء الاّ اليها في ملفات الخطف المعقّدة؟

لم يطرح أيٌّ من أعضاء الوفد اللبناني، رسميين وصحافيين ومستشارين، مثل هذا السؤال على الجانب القطري. حتمًا ما كانوا ليفعلوا ذلك على قاعدة: “شحادين ومشارطين”. لا حاجة الى معرفة الصلات والأساليب والأسباب القطرية، المهمّ أن تكون لها يدٌ في تحرير العسكريين. وإذا كانت أوساط الرئيس تمام سلام تؤكد لـ”صدى البلد” أن “الجميع عاد بأجواءٍ إيجابية جداً حيث يُعوَّل كثيراً على فعالية الدور القطري”، تلفت مصادر وزارية لـ”البلد” الى أن “علامات الاستفهام الكثيرة التي تدور في فلك الدور القطري تتلاشى أمام فرضيّاتٍ عدة أولاها إثبات قطر قدرتها على التفاوض في ملفاتٍ معقدة سواء بالمال أو بمفاتيح ميدانية قادرة على التحكّم بها من بعيد. ثانيتُها سعيها الى إثبات نفسها طرفاً لا يُستغنى عنه في المنطقة وفي مختلف الملفات الشائكة غير السياسيّة بما يعيدها الى أي ساحةٍ أرادتها في سياق التنافس على جوهرية الدور مع السعودية. وثالثتُها الأقاويل الضاربة على وتر تمويل قطر لهذه الجماعات المتشددة وبالتالي احتفاظها بهامش “مَونة” عليها عندما تتعقّد الأمور والدليل على ذلك ليونة المسلحين رغم وحشيتهم أمام أي إشارةٍ قطرية”.

إنماء ورئيس وخطف...

ليس “الإغداق” القطري على لبنان جديداً وإن اختلفت أوجهه في نقلاتٍ نوعية بين إعادة الإعمار عقب حرب تموز 2006، الى رعاية انتخاب رئيس جديد للجمهورية في مؤتمر الدوحة أيار 2008، وصولاً الى دورٍ جليٍّ مقرونٍ بتسهيل تركيٍّ ومشورةٍ إيرانية في إطلاق مخطوفي أعزاز بتعاملٍ محصور مع اللواء عباس ابراهيم وكذا الأمر في عملية تحرير راهبات معلولا. ثلاثة ملفات خطف في غضون أقل من عام تكون قطر بطلة اثنين منها في انتظار ما ستتمكن من إنجازه على مستوى العسكريين الذي يتمّ التفاوض في شأنهم على جبهتين منفصلتين: جبهة النصرة و”الدولة الإسلامية”. علمًا أن معطيات أمنية تغمز من قناة الصعوبة التي قد تلاقيها قطر في التفاوض مع “الدولة الإسلامية” على عكس “النصرة”.

ليس لبنان وحده...

في النتيجة، تبدو قطر اليوم بمثابة “أمّ المخطوفين” التي يلجأ اليها ليس لبنان وحده عندما يتعلق الأمر باختطافٍ ومفاوضاتٍ تستلزم سخاءً مالياً وقدرةً على تخفيف حدّة لوائح الشروط. واليوم أيضًا يأمل اللبنانيون، قادةً وشعباً، أن تكون ثالثة تعاملهم مع قطر ثابتة ولو كانت ستُكسي دولة المليارات عباءة دورٍ سياسي جديد آتٍ من الجرود بعيداً من صورة “إعلاء الحجر” المعهودة.