عند الحديث عن المقايضات، لا يقتصر الأمر على ما يحكى في ملف العسكريين المخطوفين. فبكل عرس، هناك من يسعى الى تسويق هذه الفكرة في المال والامن والسياسة، ولما لا في التشريع، وفق المعادلة التالية: فتح ابواب المجلس النيابي للتشريع في مقابل التمديد للمجلس النيابي.

منتصف الليل اقفل باب الترشيح للانتخابات مع تقديم كل الأحزاب والتيارات والطامحين الى النيابة اوراقهم. سبق ذلك ترؤس وزير الداخلية نهاد المشنوق لاجتماع للامن المركزي، طلب خلاله من قادة الأجهزة الامنية رفع تقارير مفصلة حول الوضع الامني الذي قد يكون "قميص عثمان" عدم اجراء الانتخابات في موعدها.

وعلى رغم اكتمال لإجراءات اللوجيستية في وزارة الداخلية، وتسجيل أكثر من 300 ترشيح، ما يكفي عملياً لتكوين لائحتين مكتملتين في كل الدوائر وأكثر، فإن "مؤيدي التمديد" يتحينون الفرصة لترجمة النوايا الى افعال.

ومع اكتمال المشهد، ينتقل النقاش الى مرحلة البحث عن الإجابة على السؤال التالي: ما هو المخرج لعدم اجراء الاستحقاق؟ وكيف سيتم ذلك؟

من سيلبس التمديد هذه المرة؟

هو السؤال الأساس الذي ستجيب عنه الأيام المقبلة. فاذا كان التمديد هو الهدف، فإن الكواليس السياسية تنشغل منذ اسابيع بالبحث عن الوسيلة الكفيلة بتحقيق هذه الغاية. فالمعروف أن القرار الإقليمي ينحو في هذا الاتجاه، ولم يبق على الحراك المحلي سوى ملاقاته بإيجاد المخرج الدستوري. ولا تبدو حتى الساعات اللاءات المعلنة من رئيس المجلس النيابي والتيار الوطني الحر خصوصاً، كفيلة بمنع "الكأس المر"، وإن كانت تسهم في تصعيب المرور السلس والسهل اليه.

من حيث الشكل، وفّر النائب نقولا فتوش منذ أسابيع المادّة بتقدميه اقتراح قانون التمديد، فبقي على الراغبين باطالة عمر المجلس الحالي الشروع في تسويق "البضاعة". وبما أن أبواب المجلس النيابي مقفلة تشريعياً منذ اشهر، بمقاطعة من فريق الرابع عشر من آذار، فإن الفريق ذاته، وجد نفسه، وهو الراغب بالتمديد، مضطراً الى تعديل استراتيجيته والتقليل من لاءاته. من هنا، بدأ الحديث عن "المقايضة" بين ملفات مالية ومطلبية، وبين التمديد للمجلس النيابي.

على هذا الصعيد، يقول المتابعون أن لا داعي للقلق. فالمظلّة المسيحية الضرورية لخطوة مماثلة تبدو مؤمّنة بحجّة "عدم الوقوع بالفراغ، وتأمين استمرار الحياة التشريعية، وإبقاء الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية". وعلى غرار ما حصل عشية التمديد الأول العام 2013، سيأخذ النائب جورج عدوان الأمر على عاتقه. في المرة الأولى "كان التنازل لمصلحة لبنان" كما قال في حينه، بعد ما وُصف "بالالتفافة" على الاقتراح الأرثوذكسي، من خلال الاتفاق الثنائي في اللحظة الأخيرة مع تيار المستقبل على النظام المختلط. فكانت النتيجة العملية لذلك، تطيير قانون الانتخاب الجديد و الاستحقاق الانتخابي برمّته.

لبسها عدوان في حينه مترجماً الاتفاق السياسي للقوات اللبنانية والمستقبل. واليوم تبدو الصورة مشابهة. فبينما كان ينتظر من "الرابع عشر من آذار" تأليف لجنة متابعة للمبادرة التي أعلنتها بعيد الجلسة الحادية عشرة غير المنعقدة لانتخاب الرئيس، تشير المعطيات الى أن هذا الفريق سيبدأ فعلياً بلقاءاته واتصالاته وجولاته، وانما لهدف آخر. فقد تبرّع عدوان بالتواصل مع رئيس المجلس النيابي وعدد من المعنيين "لفتح أبواب المجلس النيابي".

وفي هذا الاطار، فلزوم المقايضة المطروحة يستلزم "دحش" بند التمديد ضمن مجموعة بنود مالية ومطلبية، تحت شعار "تشريع الضرورة"، والذي سيشمل بحسب ما هو مطروح، تعديل المهل في قانون الانتخابات والبحث في التمديد التقني لولاية المجلس وسلسلة الرتب والرواتب واصدار سندات اليوروبوند والقروض وغيرها من المواضيع الضرورية. حتى أن هناك من يتحدّث عن ادخال عامل المياومين على الخط، في سعي الى انهاء الاعتصام المستمر منذ اكثر من شهر.

في الساعات الماضية، كان من المفترض ان يلتقي رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة رئيس المجلس النيابي. لم تنضج ظروف اللقاء، فاستبدل بزيارات الموفدين على خط عين التينة. ومن المنتظر أن يتصاعد الحراك على هذا الصعيد في الايام المقبلة.

يسعى مروّجو التمديد الى اقناع رئيس المجلس به، وفق المعادلة التالية: " فالمعروف أن بري يشكو من قلّة إنتاجية المجلس الممددة ولايته العام 2013، لذلك سنأتيه بالدواء الشافي من خلال الاستعداد لمناقشة وإقرار العديد من مشاريع واقتراحات القوانين المرجأة. وبما أن تخطّي المهل المحددة في قانون الانتخاب المعدّل في الدوحة، يفتح الباب امام الطعن بالانتخابات، فالمطلوب اذاً مناقشة وإقرار اقتراح قانون تمديد هذه المهل، ولما لا التمديد للمجلس، طالما ان الظروف الأمنية والسياسية لا تسمح باجراء الاستحقاق في موعده، وطالما أن وزير الداخلية نفسه، وبموازاة اعداده اللوجيستي للعملية الانتخابية، يعلن عدم استعداده على تحمل مسؤولية اجراءها في الظروف الراهنة".

بين صفوف الرابع عشر من آذار من يراهن على تليين موقف بري، معتمداً على ورقة مستورة يشرحها اللاعبون في كواليس هذا الفريق وفق الآتي: يعرف بري أن الشغور الرئاسي مستمر حتى اشعار آخر، وتسيير الاعمال متواصل من خلال الحكومة، وعلى رأسها تمام سلام بما يمثّله ضمن التركيبة الطائفية المعتمدة. لذلك، فمن مصلحة رئيس المجلس النيابي، بما يمثّل ومن يمثّل، استمرار عمل السلطة التشريعية... والطريق الى ذلك يمر حكماً بالتمديد".