على الساحة الإسلامية السنية، هناك قوى معارضة لتوجّه "تيار المستقبل" بشكل كامل، تبحث منذ سنوات طويلة عن إطار تجتمع فيه لتكون فاعلة، إلا أنها في كل مرة تصطدم بعراقيل تمنعها من تحقيق هذا الهدف، بالرغم من أنها في الأمور الإستراتيجية تتفق على الوقوف إلى جانب القيادتين السورية والإيرانية وتعتبر نفسها جزءاً أساسياً من محور المقاومة.

لم تتمكن هذه القوى في أي مرحلة من تشكيل "رافعة"، تغني حلفاءها عن الحوار مع تيار "المستقبل"، وهي لم تنجح حتى في أن تكون منافساً قوياً له لعدة أسباب، منها ما هو متعلق بها وما هو متعلق بالظروف التي مرّت بها البلاد خلال السنوات الأخيرة.

"اللقاء الوطني" عائد

في الفترة الأخيرة، تمكنت هذه القوى من المساعدة على حل أزمة دار الفتوى، وجنّبت الطائفة السنية الوصول إلى مرحلة يكون لها فيها مفتيان للجمهورية ومجلسان شرعيان، ما دفع بعضها للاعتقاد بأنها يمكن أن تعيد "التجمع" في إطار موحد، فبدأ البحث عن إحياء "اللقاء الوطني" من جديد، إلا أنّ الطريق أمامه لم تكن معبدة كما قد يظنّ البعض، ذلك أنّ شخصيات وقوى فاعلة تغيب عنه في نسخته الجديدة.

في هذا السياق، توضح إحدى الشخصيات العاملة على تنظيم اللقاء، الذي سيجتمع غداً للإعلان عن نفسه، أنّ المشاركين لم ينقطعوا عن الإجتماع منذ أيام اللقاء الذي كان يعقد برئاسة رئيس الحكومة السابق ​عمر كرامي​، بالرغم من أن الأخير قرر الإعتكاف عن متابعة العمل ضمن الأطر التي كان ناشطاً من خلالها.

وتشير هذه الشخصية، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الإجتماعات كانت تعقد من دون الإعلان عنها، لكن الدور الذي لعبته في حل أزمة دار الفتوى شكل دافعاً جديداً لها للعودة إلى الواجهة ضمن الإطار القديم. وفي شرحها لأهداف اللقاء، تؤكد رفض محاولة السيطرة على الطائفة السنية أو وضعها بين خياري "داعش" أو تيار "المستقبل"، وتقول: "الآخر يمثل نحو 60% من الشارع لكن نحن لدينا تمثيلنا الوازن أيضاً"، وتشدد على أن الهدف الأساس يتمثل باعادة أبناء الطائفة إلى دورهم العروبي المقاوم الذي اشتهروا به تاريخياً.

على صعيد متصل، يرفض أحد النواب المشاركين في هذا اللقاء اعتبار هدف اللقاء الوقوف بوجه تيار "المستقبل"، ويلفت إلى "أننا سنتوجه إلى الشارع من أجل أن يكون هو الحكم بيننا".

ولا يمانع هذا النائب، في حديث لـ"النشرة"، التوسع مستقبلاً، حيث يؤكد أن الهدف كان تشكيل لقاء وطني، لكن مع الأسف لم يكتب النجاح لكل المحاولات التي حصلت.

أما بالنسبة إلى الغد، تشير مصادر متابعة إلى أن المشاركين سوف يعمدون إلى إصدار وثيقة، وبعدها سوف تعقد إجتماعات دورية، كل 15 يوماً أو كل 3 أسابيع، للتداول بالمستجدات، وتكشف عن مساعٍ لعقد مؤتمر عام يضم نحو 500 شخصية بعد فترة قصيرة.

وتوضح هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن رئيس حزب "الإتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد إقترح أن يكون هناك أمانة عامة لهذا اللقاء تتبدل كل 3 أشهر، إلا أنها تشير إلى أن الأمور التنظيمية سوف تبحث بالتفصيل في مرحلة لاحقة.

عراقيل عديدة

بعيداً عن الإيجابية المفرطة التي يتحدث عنها المنظمون، هناك أسئلة تطرح حول النسخة الجديدة من اللقاء، خصوصاً أنها تأخذ طابعاً مذهبياً واضحاً، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، بعد أن كانت الأولى منها تضم بشكل أساسي: كرامي، مراد، رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، النائب السابق لرئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال ارسلان، أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" النائب السابق أسامة سعد، الرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري.

وتشير هذه المصادر، التي تبدي نوعاً من التحفظ على هذا اللقاء، إلى وجود شخصيات بارزة على الساحة السنية غير مشاركة، حيث تكشف أن ممثلين عن الوزير السابق فيصل كرامي ورئيس "المؤتمر الشعبي اللبناني" كمال شاتيلا، كانا يشاركان في اللقاءات السابقة، وتغيبا في اللقاء الأخير من دون عذر، كما أن لدى كل من البزري وسعد تحفظات على الصيغة.

وتشير المصادر المطلعة إلى أن معوّقات عرقلت اللقاء السابق بعد أحداث السابع من أيار، بعد بروز إعتراضات لدى بعض الشخصيات والقوى بسبب طريقة التعامل معها، خصوصاً بعد إسقاط حكومة سعد الحريري من قبل قوى الثامن من آذار، وتضيف: "الخيار كان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي أثبتت التجربة أنه قدم خدمات لتيار "المستقبل" ما كان نظيره سعد الحريري ليقدمها".

ومن هذا المنطلق، ترى المصادر أن الفكرة المطروحة جيدة من حيث المبدأ، وهي بحاجة إلى المزيد من البحث، رغم ضبابيّة الأهداف والرؤية عند بعض من وجهت لهم الدعوة من أجل المشاركة غداً، وتشدد على وجوب وضع خطة عمل واضحة للنجاح، وتضيف: "يبدو أن هناك من يريد الإستفادة من هذا الموضوع".

وفي رد سريع على علامات إستفهام المعتذرين والمتحفظين، توضح مصادر المنظمين أن غياب آل كرامي يعود إلى إعتبارات خاصة بالواقع الطرابلسي، أما بالنسبة إلى الآخرين فتشير إلى أن هناك من يريد أن يبقى هذا اللقاء من دون الإعلان عنه، بسبب الخوف من طابعه المذهبي، إلا أنها تشدد على أن الأغلبية ترى أن من الضروري اصدار مواقف معلنة بشكل دائم من كل القضايا، وتؤكد أن جميع المشاركين هم من الشخصيات الوطنية، وتتابع: "هذا التجمع ليس تجمعاً مذهبياً كما يعتقد البعض بل هو تجمع وطني بامتياز".

في المحصلة، ستكون مختلف هذه القوى أمام إمتحان تبدو فرص نجاحها فيه ضئيلة، نظراً إلى الظروف الموضوعية التي تم الحديث عنها، وإلى أخرى تتعلق بالأوضاع السياسية في البلاد، فهل يكون مصير النسخة الجديدة كسابقتها؟