مادُمنا في شهر أيلول، قد يكون ضرورياً الإشارة إلى أن العملية الإرهابية في 11 أيلول 2001، والتي ارتكبَتْها صنيعة المخابرات الأميركية؛ "القاعدة"، بأبطالها السعوديين الـ15، وإماراتيَيْن ومصري ولبناني واحد هو زياد الجراح؛ ابن شقيق عضو كتلة "المستقبل" النائب جمال جراح، وأفضت إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف أميركي. ليست هي العملية الإرهابية الأولى، بل هناك عمليات إرهابية أفظع وأخطر يندى لها جبين الإنسانية، ففي 11 أيلول عام 1973 قادت وزارة الخارجية الأميركية انقلاباً عسكرياً دموياً في تشيلي بقيادة عميل الـ"C.I.A"؛ الجنرال بينوشيه، على الرئيس الاشتراكي سلفادور اللندي، الذي وصل إلى الحكم في تشيلي بواسطة الانتخابات، وفي يوم واحد أباد الانقلابيون أكثر من 150 ألف مواطن تشيلي، في وقت ظل الرئيس اللندي يقاوم حتى الرصاصة الأخيرة، التي فضّل أن يُطلقها على رأسه على ألا يستسلم لعملاء واشنطن، علماً أن مذابح الانقلابيين ضد الشعب التشيلي لم تتوقف، وتذهب بعض التقديرات إلى أن مئات آلاف التشيليين تمّت إبادتهم بغطاء تام من الـ"C.I.A" وهنري كسينجر.

وللتذكير أيضاً، ففي 16 و17 أيلول 1982 كانت قوات الاحتلال الصهيونية وعملاؤها من اللبنانيين يرتكبون إحدى أفظع المجازر في التاريخ البشري في صبرا وشاتيلا في بيروت، فراح آلاف الشهداء من النساء اللاتي بُقرت بطون الحوامل منهن، والعجائز والأطفال والشباب، وحالت واشنطن دون إدانة العدو بهذه المجازرة الوحشية، ولم تزل..

كثيرة هي المجازرة التي ارتُكبت على يد الأميركيين في مختلف أنحاء العالم، يكفي أن نذكر منها الجريمة الفظيعة بإلقاء قنبلتيْن ذريتيْن في الحرب العالمية الثانية على هيروشيما ونكازاكي اليابانيتيْن، حيث مات آلاف البشر، ومّا زال حتى الآن يولد أطفال مشوَّهون.

نسوق هذه الأمثلة على سبيل الحصر للدلالة على أن "اليانكي" تعوّد على برمجة الوحوش وتصنيعها لاستعمالها في الوقت المناسب وحينما تحلّ ساعة الانفجار؛ تماماً كحال "داعش" الآن، وأضرابها من المجموعات الإرهابية.

فهذا الخطر إذن صنعه الأميركي من أجل أن يأخذه مطيّة ليعود إلى المنطقة، فالأميركيون تتحكم بهم غريزة المصالح قبل أي اعتبار آخر، فكيف إذا كانت هذه المصالح تخضع لتحالف مجمعات الصناعات العسكرية والنفط..؟

ونستدرك هنا لنسأل: وما الذي يتحكّم بالعرب عموماً، والخليجيين خصوصاً، والسعوديين على وجه التحديد؟

لا شيء البتة، ربما تسكنهم غريزة الخوف من الدين الحنيف، ومن الحضارة العريقة، ولهذا فالعرب البائدة يستهدفون بلاد الشام وبلاد الرافدين، كما بلاد الفراعنة، فأول عاصمة في التاريخ هي دمشق، وأول شريعة في التاريخ كانت من بابل، وأول مدينة هي أريحا، وأول صروح حضارية مدنية كانت في مصر..

تأمّلوا في هذا النزق الأميركي الذي يتحدّث عن وجود ما بين 20 ألف إلى 30 ألف و500 "داعشي" بين الموصل والرقة؟

أليس في ذلك محاولة لإظهار هؤلاء "الداعشيين" على الطريقة "الهوليودية"؛ مقاتلين من الطراز الرفيع؟

القن - ومعذرة من هذا التعبير العنصري - باراك أوباما في "حشده" لمقاتلة "داعش" يتحدث عن تدريب آلاف السوريين "المعتدلين" ليقاتلوا الدولة الوطنية السورية، ومن أجل الإفساح في المجال لنظام بديل في سورية، فمن هي هذه الفئات المعتدلة؟ هل هي جماعة "الإخوان المسلمين"، أم على طراز كمال اللبواني، أو برهان غليون أو ميشال كيلو، أو حتى سهير الأتاسي وبسمة القضماني؟!

ورغم ذلك، فإن جو بايدن؛ نائب أوباما، بدأت طموحاته لما بعد سنتين بأن يصبح سيد البيت الأبيض، ولهذا بات غزله واضحاً للوبي الصهيوني، ولبنيامين نتنياهو، وحتى لرجب طيب أردوغان، الذين أعلنوا بأشكال مختلفة، لكن بتناغم واضح، استمرار دعمهم لـ"داعش"، ليمتدّ كالأخطبوط ويستولد المزيد من الوحوش، سواء من باطن الأرض أو من الثقوب.

قيادة أوباما للحملة على "داعش" دون غيرها، وهو لم يأتِ على سيرة "جبهة النصرة" المصنَّفة إرهابية، ولم يتطرق إلى أي إرهابي من جماعة "القاعدة"، ليس هدفها إلا إعادتها إلى بيت طاعته، بعد أن باتت لها مخالب وصارت تتمتع بموارد كبيرة من التمويل والتسليح، ومدخولها من سرقة النفط العراقي والسوري يتجاوز الـ3 ملايين دولار يومياً، كما أعلن هو نفسه، حيث يتمّ تسويق النفط المسروق بواسطة شركات تركية لها علاقة وثيقة بأردوغان.

مؤتمرات أوباما لمحاربة "داعش" كما يتضح من أهدافها طمأنة الملك السعودي الذي صار التنظيم الإرهابي على حدوده، وربما حول قصوره الملكية، وبالتالي صارت أطماعها أوسع بعد أن تذوّقت نعمة "الثروة" من العراق وسورية، ولهذا تعهّد أوباما بمواصلة الحرب على سورية إلى جانب الحرب على "داعش".. وها هو السيد الأسود في البيت الأبيض يوسّع رقعة حربه إلى روسيا، بهدف استنزاف القوة العظمى المنافسة لتزعُّم حلف منافس للهيمنة الأميركية، فكانت سلسلة العقوبات الاقتصادية والمالية التي هي أشدّ إيلاماً على الدول الأوروبية التي أجبرتها واشنطن على الانخراط في تنفيذ العقوبات، ما يعني أن سياسة الاستهتار التي تمارسها الولايات المتحدة تدفع العالم نحو حرب باردة جديدة، ولهذا فإن الغول الذي صنعه الأميركي هدفه كما أسلفنا المجيء إلى المنطقة من جديد.. ولهذا كان إعلانه واضحاً بدعم ما يسمى "المعارضة السورية المعتدلة"، لكن الدولة الوطنية السورية تواصل حربها على عصابات الإرهاب والتكفير، ولن تكون أبداً مطية للانتخابات النصفية الأميركية، ولا لوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض..

مرة جديدة: على حلفاء سورية؛ من طهران إلى موسكو، ومن دمشق وبيروت إلى بكين، تطوير أسلوب المواجهة مع حلف أعداء دمشق، الذين هم في حقيقتهم معادون لكل تقدُّم إنساني.