في زيارة “ردّ الإجر” ثُبِّت التمديد. نُشِر في الجريدة الرسمية على مرأى من الرابية وبتوقيع أقرب المقرّبين اليها. ما كان العماد ميشال عون ليظنّ أنه قادرٌ على تغيير موقف وليد جنبلاط بهديةٍ صغيرة تعبّر عن “رؤيته للبنان”. لا حاجة الى ذلك فما تمّ قد تمّ ومغلّف التمديد خُتِم بالشمع الأحمر ولا ينقص سوى إرساله في طردٍ “مشبوه” الى الرابية التي ستعيده الى بيروت وتحديداً الى أدراج المجلس الدستوري.

رغم شكوكها العميقة بفعالية دور المجلس الدستوري وهي التي عاشت تجربة تعطيل سياسي مريرة، تبدو الرابية متصالحة مع حكايات الطعن. فنوابها لن يترددوا في التقدّم بطعنهم السياسي الثالث (باستثناء الطعن في قانون الإيجارات) ما إن تُرسَل اليهم “نعوة” التمديد وذلك تصالحاً مع وعدٍ قطعوه على أنفسهم وجمهورهم: “نترشّح كي لا نُستبعَد لكن لا نسلّم بالتمديد”. الترشّح فعل تحدٍّ بالنسبة الى الرابية على ما يقول أحد مقرّبيها. فلا خوف من وعي القاعدة ولا تهاون في رفع الصوت من أجل إنتاج برلمان سليم يثمره قانون انتخابي سليم، لكنّ يداً واحدة لا تصفّق ومواجهة جميع ممثلي الكتل بمن فيهم حلفاء التيار الراضون عن التمديد ضربٌ من ضروب الجنون لا البطولة ولعلّ تجربة “العصيان” القواتية في هذا المجال غير مشجّعة.

بحثاً عن طرفٍ آخر...

أراد عون أن يقول الكثير يوم أمس في كليمنصو. الزيارة كانت معدّة سلفاً وكان أبناء التيار على علمٍ مسبقٍ بتاريخها رغم أن كثراً لا يستبرئون تزامنها مع تفجير عون “قنبلة” الصفقة ليلاً ليتّجه بعدها بساعاتٍ الى كليمنصو حيث كان حازمًا على ما علمت “​صدى البلد​” لدرجة أن بعض من علم بتفاصيل اللقاء وصفه بزيارة “التحدّي” أو بكلام ألطف زيارة وضع النقاط على الحروف أولاً ليقين عون بأن جنبلاط غير قادرٍ على رفع السقف راهناً، وثانياً استكمالاً لسياسة الانفتاح التي ينتهجها التيار والتي خابت جزئياً مع تيار “المستقبل” نظراً الى أن قراره خارجي على ما يقول العونيون، وبالتالي لا بدّ من البحث عن طرفٍ يُثبِت يومًا بعد آخر أن قراره داخلي وأنه ميزانٌ في اللحظات الحرجة وهذا الطرف لن يكون سوى جنبلاط شاءت الرابية أم أبت رغم أن أبناءها لم ينسوا بعد أن وليد بيك كان سبباً من أسباب إفشال تسوية “عون رئيساً”. ومع ذلك، يؤكد البرتقاليون اليوم أن “معركتهم ليست رئاسيّة بل برلمانية وهذا ما كانوا يقولونه منذ أشهر ليس من باب الاستخفاف بأهمية إنهاء الشغور بل ركوناً الى أهمية فرز برلمان صحّي قادر على انتخاب رئيس صُنِع في لبنان”.

هذا ما أراد عون قوله...

تفاصيل الصفقة التمديدية باتت بحذافيرها في الرابية. هي مثار نقاش وتمحيص للتسلّح بردود على قدر الحنكة التي بها طُهِي التمديد ونضج. في الكواليس البرتقالية علمٌ بأن بري والحريري وحتى جنبلاط في الخفاء أتموا التمديد وباركوه وشبعوا منه وشربوا نخبه مع حليفيْ عون الموثوقيْن حزب الله والمردة. وردًا على نفي برّي لأي صفقة تكتفي مصادر التيار بالقول: “ليست مهمة المواقف في الصحف وعلى الشاشات بل المهم الأفعال على الأرض”. أما في ما يتعلق بأبعاد الزيارة الى كليمنصو فينظر اليها العونيون على أنها استكمالٌ لعهدٍ قطعته الرابية على نفسها في خلوة دير القلعة بدأ مع “المستقبل” وها هو اليوم يتعزز مع المختارة في زيارةٍ تأتي “كردّة إجر” وترسيخ لما بدأه الفريقان في هيئة قضاء الشوف من إرساء لمبدأ التحاور. علمًا أن عون أراد أن يقول لجنبلاط على ما علمت “صدى البلد” أن “الجميع تقدّم عليه بجولاتٍ تجسدت في تمديدين وقد يتقدمون عليه في تمديد ثالث ولكن جولات أخرى آتية”. ولعلّ جنبلاط فهم الرسالة ولم يُجِب بقسوةٍ بل آثر اللين لأسبابٍ تُكشَف لاحقاً بين الطرفين.

“تبييض طناجر”

لم يهُن الأمر على برّي. الرجل لا يجيد الوقوف متفرجاً من دون أن يدافع في وجه من ألمح الى أنه عرّاب التمديد سرًّا وعدوّه ظاهراً. سارع رجل عين التينة الى نفي وجود صفقة من تحت الطاولة. ولاقاه الرئيس سعد الحريري مغرداً أن لا صفقة وأنه لن يشارك في الانتخابات ما لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية أولاً. لم يكن هذان الموقفان ليُدمِعا عيني الجنرال. فالأخير لا ينقصه هو الآخر شيءٌ من الدهاء السياسي وقادرٌ على اشتمام رائحة التمديد من بعيد. أما بعيداً من “الصفقة النيابية”، فلا تعوّل الرابية كثيراً على كلام جنبلاط الرئاسي، لا بل هي أقرب الى وضعه في خانة “تبييض الطناجر” وبيع المواقف لتعويض ما خربه البيك في السعودية والهيكل الرئاسي الذي دمّره على رأس عون.

لو كان الإهداء: شكراً للتمديد

إذاً العماد لم يترك مجالاً لجنبلاط ليعتب عليه فردّ الزيارة مع كتابٍ كان مُناه أن يحمل إهداؤه كلمتين: شكراً للتمديد، لكنه لم يفعلها. لعبها بذكاءٍ أكبر، فرمى حكاية “الصفقة” على الملأ قبل أن يتوجّه الى كليمنصو وليحلّل كلٌّ على هواه...