كشف تقرير أعدّه مركز دراسات محترف عن بعض جوانب الأسباب التي دفعت بالدول الاوروبية إلى اتخاذ المواقف المعلنة من تنظيم "الدولة الاسلامية"، واصفًا بعضها بالمواقف الاستراتيجية والحيوية المتوسطة الامد وهي تتعلق بمستقبل بعض هذه الدول والمشاكل التي تعاني منها على المستوى الديمغرافي، والمرشحة إلى أن تتتحول إلى أزمات مستعصية يصعب التعامل معها في ظلّ تنامي نفوذ الحركات الاسلامية المتطرفة وتمدّدها باتجاه القارة الأوروبية التي تتعاطى مع الواقع انطلاقا من قوانين احترام حقوق الانسان وحريته الدينية، بما يمنعها من اتخاذ إجراءاتٍ رادعة تحول دون منع التنظيمات المعنية من ممارسة نشاطاتها، والحدّ من فاعلية دعواتها للجهاد والقتال على كافة الاراضي الموصوفة بأرض الجهاد أو النصرة .

ويشير التقرير إلى أنّ ما صدر عن بعض الدول الاوروبية وأبرزها فرنسا وبريطانيا وألمانيا من تسريباتٍ متعلقة بمشاركة بعض مواطنيها في القتال إلى جانب تنظيم "داعش" في العراق وسوريا يتصل بالخطوات اللاحقة التي تعتزم هذه الدول اتخاذها لمواجهة الخلل الديمغرافي الذي بدأت تعاني منه مع انطلاق الربيع العربي. بيد أنّ الاحصاءات الصادرة عن دوائر الهجرة في العاصمة الفرنسية تتحدّث عن أكثر من ثمانية ملايين مسلم من حاملي الجنسية الفرنسية وهم من أصولٍ عربية ويعمدون إلى إثارة الشغب مع بداية كلّ عام جامعي على خلفياتٍ تتصل بالمذهبية وممارسة الشعائر الدينية على غرار ارتداء الحجاب وما إلى ذلك من شعائر معروفة لدى المرجعيات المعنية فضلا عن أعداد مماثلة في ألمانيا ونصفهم في بريطانيا، ناهيك عن أعداد مماثلة في دول الاتحاد الروسي، ما يضفي على المشهد مسحة دراماتيكية بحسب التعبير المستخدم.

ويطرح التقرير إشكالية موافقة هذه الدول على مغادرة هؤلاء الرعايا للمشاركة في القتال إلى جانب التنظيمات الارهابية والتكفيرية، فيؤكد أنّ أيًا من هذه الدول التي تشجّع من دون أن تعلن ذلك لا ترغب على الاطلاق باستعادة أيّ منهم، بل على العكس فهي تخطط للدفع بعائلاتهم للحاق بهم والاقامة ضمن حدود دولة الخلافة المفترضة وبالتالي الحد من تمددهم الديمغرافي والاقتصادي في هذه الدول، وأكثر من ذلك استقدام بعض المسيحيين من العراق والدول العربية لتعويض الفراغ الذي قد يخلفه هؤلاء على مستوى الانتاج الاقتصادي.

ويوضح معدّو التقرير أنّ واشنطن ليست ببعيدة عن هذا التوجه بل على العكس تمامًا فإنها من أشدّ المؤيدين لهذا التفكير، وأنّ كلّ ما حصل في العراق وسوريا وهو لم يكن اساسا بعيدًا عن معلومات أجهزة الاستخبارات التابعة لحلف شمالي الاطلسي يصب في هذا الاتجاه، أي إنشاء دولة اسلامية تستقطب المتطرفين من حول العالم وتحصرهم في بقعة جغرافية تتمتع بحوافز كثيرة ابرزها الالتزام الديني اضافة الى بعض ابار النفط والغاز التي تجعل منها دولة قادرة على الاستمرار اولا، وقادرة على إشغال دول الجوار الشيعي بحروب مذهبية واتنية قد تمتد الى عقود طويلة حافلة بالاحداث المحصورة في بقعة جغرافية بعيدة عن المعابر البحرية، أي كما هو حال الدولة الاسلامية بحدودها الراهنة.

في المقابل، يبرر التقرير من خلال هذه الأسباب الموجبة رفض واشنطن مشاركة سوريا وايران في الحرب على الارهاب لعلمها بأنّ مشاركتهما كفيلة باجهاض هذا المشروع الكفيل بابعاد الخطر التكفيري ولو لحين عن القارتين الاوروبية والاميركية ويحصره في اسيا والقرن الافريقي اضافة الى العالمين العربي والاسلامي، تمهيدًا لتعميم المشهد ولو بعد حين على بعض الدول التي تشكل رأس حربة تمويل الارهابيين ودعمهم السياسي وتحضيرهم قتاليا وعسكريًا ومعلوماتيًا بما فيه ضمانة شبه دائمة ومستقرة لمعابر النفط الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهذا ما يفسّر تحديدًا الهدوء الدائم والمستمر على جانبي قناة السويس التي تشكل المعبر الحيوي والوحيد لحاملات النفط وأيضًا على جانبي مضيق هرمز المحكوم بالسيطرة الايرانية دون أن تستخدمه طهران كورقة ضغط عسكرية لا باتجاه الغرب المتصارعة معه ولا باتجاه الدول التي تشكل اخطارا تكتيكية عليها.