بعد تنامي تنظيم "داعش" في بعض المناطق اللبنانية ذات الغالبية السُّنية، خصوصاً في طرابلس والشمال، حيث بدأت ظواهر "الفكر التكفيري" تُترجَم ممارسات عملية على أرض الواقع، لاسيما بعد اغتيال ابن مدينة بنت جبيل فواز بزي، المقيم مع أهله في الأحياء الطرابلسية منذ أكثر من 70 عاماً، إضافة الى انزلاق "تيار المستقبل" إلى اللعبة الامنية في الفيحاء، بعد انخراطه في العدوان على سورية، وبالتالي استخدام مناطق نفوذه كقواعد لتموين الإرهاب في الجارة الأقرب، فصار لازاماً على "التيار" مجاراة الخطاب التكفيري، تعزيزاً لوجود "الحريريين" في الشارع السُّني.

أمام هذا الواقع المرير الذي تعاني منه الساحة السُّنية، كان لا بد من يقظة لدى أهل السُّنة والجماعة لتحرير "شارعهم المختطَف" من وحش الإرهاب والتطرُّف.. ويبدو أن بشائر اليقظة المرجوَّة بدأت تلوح في الأفق لاستنهاض هذا الشارع، من خلال بروز تطوريْن: أولاً: إطلاق "اللقاء الوطني" الذي يضم شخصيات سُنية متمايزة عن "تيار المستقبل" والأجواء المتشددة، وقد تتمثل فيها "طرابلس" والشمال ببعض رموز الاعتدال، كالنائبين السابقين جهاد الصمد ووجيه البعريني، والأمين العام لـ"حركة التوحيد الإسلامي" الشيخ بلال شعبان، وقد تحاول هذه الشخصيات إرساء خطاب وطني جامع عابر للحواجز المذهبية التي عززتها سياسية "المستقبل" منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

ثانياً: ترشُّح النائب محمد الصفدي للانتخابات النيابية، بعدما أعلن عزوفه عن ذلك سابقاً، ودعمه لترشيح ابن شقيقه أحمد الصفدي. بالتأكيد خطوة كهذه لها دلاتها، وجاءت بعد دراسة معمَّقة للواقع الطرابلسي، دفعت بالنائب المعتدل إلى تحمُّل المسؤولية، وبالتالي عدم ترك مدينته مسرحاً للتكفير والإرهاب.

وليس خافياً على أحد أن لدى الصفدي علاقات واتصالات خارج الحدود، كونه رجل أعمال على مستوى عالمي، وقد يكون تلقّى إشارات خارجية بقرب انتهاء "المشروع التكفيري" في المنطقة، عندها رأى أن الفرصة سانحة لتأدية دور سياسي في الفيحاء، قد يعيدها إلى مسارها الصحيح، مستنداً في مهمته إلى تاريخه ونهجه المعتدل والرافض للمسلك المذهبي، وكل أشكال الأمن الذاتي ودعم المجموعات المسلّحة. بالتأكيد، بعد تمدُّد "الفكر الداعشي" الآتي من الصحراء في أرجاء الفيحاء، صار لازماً على أبنائها أخذ المبادرة، وبالتالي تحرير مدينتهم من براثن الإرهاب والتطرُّف، والآمال معلقّة على رموز الاعتدال، كالصفدي والوزير السابق فيصل كرامي وسواهما، في تحقيق هذه المسؤولية الوطنية.