أكد حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ ان "رداءة الأوضاع لم تؤثر على الوضع النقدي الذي يحافظ على استقراره". وقال: "نحن نشهد ارتفاعا في الودائع بنسبة 6% سنويا، فضلا عن فائض في السيولة يتجاوز الـ16 مليار دولار مما يتيح للمصارف تسليف القطاع الخاص ضمن الحدود التي تفرضها تعاميم مصرف لبنان".

وخلال تنظيم جموعة "البنك والمستثمر" مؤتمر "الاتجاهات الحالية والمستقبلية للنظام المصرفي في المنطقة"، أشار الى "أن الفوائد مستقرة وستبقى على هذا النحو. أما المخاطر السيادية أي بمعنى أخر المخاطر السياسية والأمنية، فقد طورت السوق مناعة حيالها وهذا ما يتجلى في سوق القطع حيث لا حركة تحويلات من ​الليرة اللبنانية​ إلى الدولار. وسعر صرف الليرة اللبنانية مستقر كما أن موجودات البنك المركزي بالعملات الأجنبية باتت اليوم الأعلى تاريخيا".

وأعلن أننا "على ثقة من استمرار الاستقرار النقدي الذي سيسمح لنا، متى تحسنت أوضاع البلد، أن ننعش الاقتصاد اللبناني، باعتبار أن نسب النمو لهذه السنة تتراوح بين 1.5% و2% وهي نسب نمو متدنية مقارنة لحاجات لبنان، وأن نسبة التضخم لن تتعدى الـ4%".

وشدد على أن "هذه المعطيات أساسية، فبالنسبة لنا فإن نجاحنا في تجاوز أزمة الـ2008 كان له نتائج إيجابية، وليس بشكل مؤقت فحسب. كما أن هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة إذ جاء نتيجة النموذج المصرفي الذي طبقناه في لبنان والذي نحافظ عليه والذي يقوم على فصل المصارف التجارية عن المصارف الإستثمارية والذي سمح بحماية مدخرات المودعين وحصر المضاربات بالأوراق المالية. سنحافظ على هذا النموذج، بل نعمل أيضا على تحسين نوعية العمل المصرفي بالتعاون مع المصارف، وذلك من خلال وحدة معنية بحماية المستهلك تابعة للجنة الرقابة، تعمل ليس كصندوق شكاوى بل تتأكد من أن المصارف تملك الأنظمة والتجهيزات والرأسمال البشري الكفيلة بتأمين التعاطي الشفاف والعادل مع الزبائن، ما يحسن سمعة القطاع المصرفي اللبناني".

وأعلن "ان مصرف لبنان سيصدر خلال الأسابيع المقبلة تعميما حول هذه الوحدة لتحديد مهامهما ومسؤولياتها. كما أننا نسهر على التقيد بالمعايير الدولية، ولا سيما معايير بازل 3". وقال: "وفي هذا السياق، اتفقنا أن تصل نسبة الملاءة لدى القطاع المصرفي اللبناني إلى 12% في سنة 2015، علما أنها حاليا بحدود الـ10%. هذا يعني أن نسبة الملاءة التي نفرضها تتخطى ما هو مطلوب في بازل 3 . ونعتبر هذا الأمر أساسيا ليبقى تعاطي المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة جيدا، خصوصا وأن البيئة المصرفية قد تغيرت بعد أزمة عام 2008، إذ باتت المصارف تواجه تحديات عدة، منها تعويض الخسائر التي تكبدتها في سنة 2008 وتطبيق معايير بازل 3 بدون أن يتضرر الاقتصاد ومواجهة الضغوط المرتبطة بالعقوبات والغرامات التي عليها أن تسددها جراء مخالفة القوانين".

ولفت إلى ان "المصارف حاليا تواجه أزمة ثقة. فتطور صيرفة الظل ما كان ليظهر لولا تراجع الثقة بالصيرفة التقليدية"، مشيرا الى "ان صيرفة الظل لا تخضع للضوابط والرقابة المفروضة على المصارف التقليدية، وهذا برأيي يشكل نقطة ضعف. لذا، نحن في لبنان وضعنا أسسا وتعاميم يخضع بموجبها أي تحرك في القطاع المالي لتراخيص أو رقابة من قبل مصرف لبنان. نأمل أن تطبق مثل هذه الضوابط على صعيد دولي كي لا تنتقل الحركة المالية من مكان إلى آخر. وبالعودة إلى هذا النوع الجديد من المصارف، نحن نبذل جهدا متواصلا لصون أفضل العلاقات مع الخارج فتبقى المصارف اللبنانية قادرة على التعاطي مع المصارف المراسلة في الخارج بدون أي تخوف أو حذر".

وأعلن اننا "نشجع المصارف في لبنان على اعتماد مقاربة، وإن كانت مكلفة، تتيح إعطاء صورة واضحة عن المصارف اللبنانية وعن كيفية عملها وعن التشريعات ذات الصلة النافذة في لبنان". وقال: "وأؤكد هنا أننا وضعنا في لبنان كل التشريعات اللازمة، وأننا لدينا كامل النية لتطبيق كل ما يسمح بحماية سمعة لبنان ودوره المصرفي".

واضاف: "لا شك في أن أزمة 2008 غيرت طبيعة عمل المصارف المركزية التي لم تعد اليوم، بعد مواجهة الأزمة، تقول إن هدفها الوحيد هو استقرار الأسعار، ولم يعد لديها وسيلة، ألا وهي الفوائد، لكي تتحكم بالسيولة، بل تدخلت هذه المصارف في أسواق الأوراق الحكومية، علما أن مصرف لبنان قام بهذه الخطوة قبلها بكثير"، لافتا الى ان المصرف المركزي الأوروبي يقوم بشراء هذه الأوراق، والبنك المركزي الأميركي قام أيضا بشراء سندات الدولة من خلال ما عرف بـ quantitative easing. وقد أجرينا هذه العملية قبله إلا أننا لم نكن نعرف هذا التعبير".

وأوضح ان المصارف المركزية اشترت أيضا شركات ومصارف وأصبح لديها دور في إنعاش الاقتصاد وفي المسؤولية الاجتماعية. وهنا أيضا سبقها لبنان ما أسفر عن نتائج ايجابية من حيث تدعيم الثقة وحماية القطاع المصرفي. فلا يمكن اليوم أن ينحصر عمل أي مصرف مركزي بالأدوات التقليدية. وهذا ما نطبقه في لبنان. ونحن نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل لأن مقومات إعادة إطلاق الاقتصاد اللبناني موجودة وكذلك النوعية البشرية والادخارات المرتفعة".