... وقد أصبح التمديد شبه واقعٍ شأنه شأن كلّ ما يتحوّل بين ليلةٍ وضحاها من فرضيّةٍ الى واقع، لم يعد تفكير أهل التمديد في إمكانية وقوعه بل في كيفية وقوعه في ظلّ طفرة العراقيل الدستورية التي لن تمنعهم مبدئياً وأخلاقياً من استيطان المجلس -الذي نادراً ما يزورونه- 31 شهراً إضافياً لإطفاء شمعة ولايتهم الثانية كاملة.

63 شهراً 48 منها أصيلة و15 ممدّدة أمضاها نواب الأمة بلا هواجس دستورية أو تساؤلاتٍ اجتهادية بعدما تجاوزوا منذ اليوم الأول لما بعد التمديد كلّ الطعون المعطّلة في مجلس دستوريٍّ عُطِّل بقرار سياسي. اليوم وعلى عتبة شهرين من انتهاء ولاية المجلس المُمدِّد لنفسه مرّة والذاهب الى إعادة الكرّة تختلف المشهدية الدستوريّة. اختلاف لا يأتي من باب أنه تمديدٌ ثانٍ يمكن تسويغه تمامًا كما أوجِدت مسوّغات سلفه بل ركوناً الى حقيقة غياب رأس البلاد عن قصره. فكيف ستكون آلية التمديد في حضرة غياب رئيس الجمهورية؟ من يوقّع؟ من يعيد القانون الى أصحابه؟ ومن يطعن؟

اختلافات بين التمديدين

لا شكّ أن معظم الكواليس السياسية وقد عرفت أن التمديد آتٍ لا مناص منشغلة اليوم في إيجاد أجوبةٍ وصيغٍ وحيلٍ دستورية تساعدها على تجاوز حالة الشغور الكفيلة بوضع بعض الحصى الصغيرة في طريق زعماء التمديد وذلك على “تواضع” الصلاحيات الممنوحة للرئاسة الأولى في هذا المجال. يعلم هؤلاء أن تمديد اليوم مختلف عن تمديد الأمس وأن الظروف ستساعدهم لإقناع قواعدهم بضرورة فعلتهم. أولاً سيُختم التمديد الثاني بالشمع الأحمر بلا أي دورٍ لرئيس الجمهورية الغائب. ثانياً، ستكون فترته أطول من الأول وقرابة ضعفه لإتمام ولاية المجلس الثانية أي السنوات الأربع رغم ارتقاء الكثيرين بمفهوم التمديد الموقّت الذي سقط في التجربة الأولى لعدم التمكّن من إنجاز قانون بديل عن “الستين”. ثالثاً، يبدو التسليم بهذا التمديد أكبر والتصويب عليه أقلّ استناداً الى الذرائع المختلفة التي تتصدرها الذريعة الأمنية وصعوبة إجراء الانتخابات. رابعاً، تبدو التحالفات والانفتاحات التي ستكلل هذا التمديد ببركة حكومةٍ جامعةٍ مختلفة عن أجواء الخصومة التي ترافقت مع التمديد الأول.

تخبّط في البدايات

يؤكد المرجع الدستوري والقانوني بول مرقص لـ “​صدى البلد​” أن “بداية تطبيق الحكومة لآلية صلاحيات رئيس الجمهورية المنقولة اليها بالوكالة شهدت تخبطًا في الرأي بين ما إذا كانت ممارسة صلاحيات الرئيس تحتاج الى إجماع الوزراء أم أنها تعتمد الآلية المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور لناحية الأكثرية العادية في المواضيع التي لا تتطلب ثلثي الأصوات. واستقرّ الرأي يومذاك على أن يوقّع الوزراء الممثلون للكتل السياسية داخل الحكومة وليس بالضرورة جميع الوزراء لضروراتٍ تسهيليّة”.

تفسيران في الفقه اللبناني

ويردف مرقص: “اليوم، ومع إمكانية تمديد ولاية المجلس النيابي المطروحة بجدّ يدور التساؤل حول ما إذا كان كافياً أن يعترض أحد الوزراء أو إحدى الكتل على مشروع قانون التعديل ليسقط. وفي ظلّ سكوت نص المادة 62 عن تعيين عدد محدد من الأصوات المطلوبة في مجلس الوزراء لممارسة صلاحيات الرئيس، كان لا بدّ من العودة الى نص دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية (1875) الذي اقتُبِس منه الدستور اللبناني ولكن في هذا الدستور أيضًا ليس هناك نصٌّ يوضح آلية ممارسة صلاحيات الرئيس من قبل مجلس الوزراء، لذا يتعذر الاقتباس ويصبح اللجوء الى الفقة الدستوري اللبناني حلاً أخيراً، وفي هذا الفقة تفسيران: الأول لا يشترط توقيع جميع الوزراء وهو الرأي الغالب، بل يتطلب مجرّد الأكثرية كما تقول المادة 65، ولكن في حالة تعديل الدستور نحتاج الى ثلثي عدد أعضاء الحكومة لأنه من المواضيع الأساسية التي نصّت عليها المادة المذكورة. أما الرأي الفقهي الثاني فيتبناه عدد قليل جداً من القانونيين وهو أكثر تشددًا في الحرص على صلاحيات الرئاسة، بيد أنه يعوّق عجلة الحكم لأنه يشترط موافقة جميع الوزراء”.

علمًا أن التفسير الأول يستند الى سوابق تاريخية أبرزها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ويومها كان هناك خلوّ في سدّة الرئاسة التي شغرت بانتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، فاستمرت الحكومة في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية رغم افتقارها الى 7 وزراء (بسبب مقاطعة 6 وزراء شيعة ووزير أرثوذكسي). ناهيك عن واقعة حكومة العماد ميشال عون الانتقالية إذ في وقتها كان هناك وزيران لا يحضران ما حدا بمجلس شورى الدولة الى إصدار قرار في العام 1995 ينصّ على عدم لزومية توقيع جميع الوزراء.

... والطعن؟

قد لا تكون كلّ تلك النظريات والتفسيرات الدستورية المحيطة بالتمديد مجدية عندما تلوح أمام أعين المعترضين المادة 57 من الدستور والتي تنص على أنه في حال انقضاء المهلة المحددة من دون إقرار التعديل أو إعادته من قبل رئيس الجمهورية يُعتبر القانون نافذاً حكمًا، وهو ما يفتح باباً على الطعن الذي يمكن أن يتقدّم به عشرة نوابٍ أو رئيسا الحكومة ومجلس النواب بصفتيهما الشخصيّتين، من دون أن يتمكّن مجلس الوزراء من ممارسة هذا الحقّ كونه شخصياً. علمًا أن المجلس الدستوري بعد فرط نصابه في التمديد الأول تعهّد بجميع أعضائه في آب 2013 بعدم تكرار المقاطعة وهناك محضر رسميٌّ في هذا التعهّد على ما علمت “صدى البلد”.