يستعدّ بعض دول العالم لخوض الحرب ضد «داعش»، التنظيم الإرهابي، الأكثر ضراوة وهمجيّة ووحشيّة، في الزمن المعاصر، وربما على امتداد العصور.

تحرير العراق هو الهدف الأساس. ولهذا السبب عقد مؤتمر باريس تحت عنوان «الأمن والسلام في العراق» فيما العنوان الأصح كان يجب أن يعتني بأمن العالم كلّه، وسلامه.

ليس من الضروري أن نستعيد كل ما قيل في هوية الدول الراغبة بعضويّة التحالف ضد «داعش» ومسؤوليّة تلك الدول عن دور «داعش» في الميدان السوري، وفي أرض العراق، وعند حدود لبنان، وعلى مشارف دول عربيّة، وإقليميّة، كانت في زمن قريب حاضنة لداعش بأصولها، وجذورها ومشتقاتها، وسائر الأسماء الحركيّة لمثيلاتها من التنظيمات الإرهابية.

«داعش»، ليست «دولة إسلامية» ولا دولة «الخلافة» كما تدّعي ولم يعترف لها، بأي من هاتين الصفتين المزعومتين، أي من دول العالم، حتى ولا أي «تنظيم» متشدّد، شرب مع «داعش» من مستنقعات الفكر الظلامي ذات العقيدة الواحدة.

عندما تكتمل عمليّة توزيع المهمات والأدوار، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يجب أن نتذكر قول الجنرال ديمبسي، منذ أيام، إن خطر داعش بعيد عن أرض بلاده، وإن مصالح أميركا ليست مهدّدة حالاً، ولذلك ينبغي للإدارة الأميركية عدم التسرّع بالذهاب إلى الحرب؟!

المسألة هي إذاً، مسألة «المصالح» من جهّة، ومن جهة أخرى، مسألة المسافات التي تحسب بأبعاد «الكيلومترات»! وفي هذا النوع من الحسابات، لا يوجد «للإنسانيّة» حساب، ولا لحضارة العالم حساب، ولا للقيم، ولا «للشرائع» الدوليّة المعاصرة أي حساب، بما في ذلك شرعة حقوق الإنسان.

كان أول مَنْ رحّب بالحرب ضد «داعش» ما يسمّى بالمعارضة السورية، غير أن المقصود بالترحيب، لم يكن فقط العمل العسكري في ميادين العراق، بل شمول الحملة «داعش» في سورية، والدولة السوريّة، في آن معاً، بديلاً عن العدوان العسكري الأميركي الذي كان يعدّ لسورية، ثمّ جرى استدراكه، عبر تسوية تعني، أكثر ما تعنيه، مساعدة الرئيس أوباما على النزول من أعلى الشجرة التي كان قد تسلّقها في لحظة انفعال.

بمعزل عن هويّة ضحايا التنظيم الإرهابي، وأعدادهم وأديانهم، وإيمانهم، ودور عباداتهم، بمعزل عن كونهم قلة في مجتمعاتهم أو كثرة، كان ينبغي للضمير الإنساني أن يثور ضدّ عمليات ذبح الناس، أفراداً، وجماعات وضدّ عمليّات «وأد» الأحياء، وتجنيد الأطفال واغتصاب النساء، وتزويجهن قسراً، وبيعهن سبايا بالمزاد، ترويجاً «للجهاد بالنكاح»!!

الدول التي تستعد للحرب في العراق، لكي تتم هزيمة «الوحش» تقدّر مدة القتال بشهور قد تطول!! فيما داعش تمدّدت في مدى أقل من يومين، على مسافة توازي ثلاثة أضعاف مساحة لبنان!!

إذا تسارعت هزيمة داعش في العراق فسورية هي باب النجاة، ودور «التحالف الدولي» هنا خاضع للنقاش، بحيث يخشى أن يتصرّف «التحالف»، كما فعلت داعش بالتمام، أي بتجاهل لحرمة الحدود، ولسيادة الدول على أراضيها!! وتشريع المعاصي، والمظالم باسم الإسلام، الدين السماوي النقيّ، الذي نهى عن هذه المنكرات كلّها.

ثمّة احتمالات كثيرة للعواقب، والذيول «والأضرار الجانبيّة» التي ستلحق حتماً، بدول معنيّة بالحرب القادمة، وليس المقصود هنا تركيا، الضالعة في المؤامرات منذ ما قبل بداياتها، بل المقصود هو سورية بالذات، كدولة فاعلة، ومؤثرة وقادرة، ثم لبنان، الوطن الممزّق، المنقسم على ذاته، والضحيّة التي تتنازعها الأهواء، والتبعيّة للخارج، والمصالح المحكومة بالأنانيّات.

كما في كل زمن عصيب، تنعقد آمال اللبنانيين على جيش الوطن، قيادة، وأجهزة، ترقى إلى مستوى المؤسسات، وضباطاً، ورتباء، وجنوداً ترفع لتضحياتهم أقواس التكريم وتتلى على أرواح الشهداء منهم، أجمل الآيات، وأكرم الصلوات.

القادم إلى لبنان، بعد العراق، وعبر سورية، من أهوال الإرهاب، لا يطرح أي سؤال حول عزيمة المؤسسة العسكريّة، وسائر الأجهزة والقوى الأمنية في مواجهة الإرهاب… غير أن السؤال المطروح هو حول العديد، والعدّة، ونوعيّة السلاح المتاح، ومصير السلاح الموعود، الذي قيل إنّ ثمنه مدفوع، بمثابة مكرّمة، تستحّق الشكر حتماً، ولكن فقط، عندما يصل السلاح.

أن يسود الخوف جموع اللبنانيين، عندما يتم التداول بهذا الاحتمال، فذلك أمر شبه طبيعي… أما أن يكون في لبنان بيئات حاضنة للإرهاب، مستعدّة لملاقاته حتى مبايعة «دولة الخلافة» فذلك هو الشر الذي يثير الذعر خصوصاً أن بعض غلاة الساسة، يبشّر «بداعش»، ويكاد يشرّع للتنظيم الأبواب، في كل مكان متاح…

* النائب السابق لرئيس حزب "الكتائب"