لم يعد الحديث المتداول في الصالونات السياسية يتمحور حول ما إذا كان لبنان دخل في مدار تنظيم "داعش" أو أنه على وشك دخوله، بل تحول إلى طرح علامة استفهام تكبر مع الوقت حول إمكانية الخروج من هذه الدوامة والأثمان المترتبة عن هذا الخروج، وبالتالي هل سينجو لبنان ويبقى على تركيبته الحالية أم أنّ هناك امارات اسلامية على وشك الظهور ومن هم أصحاب الحظ السعيد لتولي شؤون تلك الامارات، واستطرادًا ما هو مصير الحرب على الارهاب وهل يمكن الاستمرار بها في ظل الازمة السياسية ولانقسامات العامودية الحادة التي تتبلور يومًا بعد يوم؟

صحيح أنّ الحكومة تجتمع من وقتٍ إلى آخر ولكنها لا تتخذ القرارات الحاسمة في أيّ من الملفات الامنية المطروحة، كما أنها لا تعطي الغطاء اللازم للأجهزة الامنية للتعاطي مع الأخطار الداهمة انطلاقا من معادلة فعل ما يلزم وبالسرعة المطلوبة، بل إجبارها على العودة إلى القرارات السياسيات الملتبسة على غرار ما حصل ويحصل على مستوى المفاوضات الجارية على قدم وساق من أجل إطلاق العسكريين المخطوفين لدى "داعش" و"النصرة" من دون امتلاك أي أوراق قوية سوى الرهان على مواقف خارجية وعلى وساطات بعض الدول المعنية أساسًا بتمويل مثل هذه التنظيمات وسواها لاستخدامها غب الطلب ووفقًا لمقتضيات الحاجة بحيث لم يعد مستبعدا اعلان امارة طرابلس الاسلامية، بل العكس فان الحاضنة الاساسية لها ما زالت قريبة منها وتصب بشكل أو بآخر في ارصدتها السياسية المفترض صرفها في اي عملية تفاوضية على مستوى العالم.

وليس بعيدًا عن ذلك، يعرب زوار العاصمة السورية عن اعتقادهم بأنّ أحداث عرسال ستتسبّب باطلاق عملية قلمون ثانية لا تقل عنفا عن سابقتها ومن المقدر لها أن تؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق على مستوى الحرب الاقليمية على الارهاب، خصوصًا أنّ ما يؤخر هذه العملية هو وجود العسكريين الرهائن إضافة إلى عدم التنسيق المسبق بين الحكومتين اللبنانية والسورية بالرغم من التداخلات الميدانية الحادة ووقوعها على تماس مشترك، فطبيعة الميدان الممتدة على مساحات جردية واسعة ومعقدة التضاريس تفرض حسابات عسكرية مغايرة بل ربما متناقضة مع الحسابات السياسية والاقليمية، لاسيما ان لبنان هو الاكثر تعرضا لتداعيات الحرب الداعشية نظرا لضيق مساحة اراضيه من جهة ولاستمرار بعض الشارع باحتضان الارهابيين بالرغم مما حصل من تبدلات اساسية على الساحة المحلية، وهذه التداعيات مرشحة للاتساع الى ان تنتهي باعلان امارات جديدة وولاءات من شأنها ان تسعر الحرب المذهبية المكتومة.

ما يعزز هذا الاعتقاد هو عودة المسلحين بقوة الى القلمون ومنها باتجاه جرود عرسال في ظل علامات استفهام كبيرة حول ظروف ازدياد اعداد المقاتلين في الجرود بالرغم من الحصار المضروب عليهم من قبل ​الجيش السوري​ وحزب الله وحديثا من قبل وحدات ​الجيش اللبناني​ وبالرغم من الخسائر البشرية الفادحة التي تقدر بالاف الاصابات والقتلى، ناهيك عن تحسن ظروف معركتهم وكيفية وصول الاسلحة والذخائر والمحروقات الى الجرود المكشوفة، اضافة الى سلسلة من الاسئلة المشروعة التي قد لا تنتهي إلا بعد ظهور بعض الحقائق والقطب المخفية التي تتحكم بالمسار بشكله العام والمحصور بمروحة من القيادات الاسلامية التي تتولى الملفات السياسية والحساسة على غرار ملف المعتقلين.

في هذا الوقت، يؤكد هؤلاء الزوار أنّ الجيش السوري الذي يقوم برصد تحركات المسلحين ومتابعة حركتهم بصورة كافية ووافية كما يقوم بتعزيز تواجده في القلمون المتصل بجرود عرسال تمهيدا لاطلاق عملية القلمون 2 التي لن تكون اقل ضراوة من المعارك السابقة مع ان هذه المرة تختلف مع تطورات المشهد السياسي بخطوطه الضيقة وسقوفه المتعرجة.