«تنظيم داعش يعمل بعيداً ولا يشكل خطراً على مصالحنا».

بهذه الكلمات المقتضبة اختصر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون موقف إسرائيل من هذا التنظيم الإرهابي الذي بات خطره هذه الأيام محور الاجتماعات واللقاءات الدولية والإقليمية والمحلية في العالم، حتى لا يكاد يخلو جدول اعمال سياسي من مناقشة سبل مواجهته والتصدي له.

لكن إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك، لم توفر الفرصة ايضا لكي تستفيد من خطر داعش لأجل خدمة أهدافها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول خلفيات هذا الموقف الإسرائيلي، ولماذا لا يعتبر داعش خطراً على إسرائيل، فيما تعتبره الولايات المتحدة الأميركية حليفة إسرائيل الأولى، خطراً داهماً على مصالحها في المنطقة، وعلى أمنها القومي، وتعلن الحرب عليه بصورة تذكر بإعلانها الحرب على الإرهاب اثر هجمات 11 سبتمبر التي ضربت برجي التجارة العالميين في نيويورك، ومقر البنتاغون في واشنطن، والتي مرت أيام على ذكراها؟

المدقق في طبيعة تنظيم داعش من جميع النواحي، الإيديولوجية والممارسات، والاستهدافات والأولويات يكتشف سر لماذا لا تعتبره إسرائيل خطراً على مصالحها.

على صعيد الايديولوجيا: يتبنى تنظيم داعش رؤية متطرفة تكفيرية تعادي وتصادم كل من يتعارض معها، حتى من داخل المذهب «السني» فكيف والحال تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، والمسيحيين؟ وهذه النظرة المعادية للتنوع ووحدة المجتمعات العربية، والتي تسعى إلى بناء دولة داعش الخالية من أي فئة لا تدين بالولاء لفكرها التكفيري هي مشابهة للفكرة الصهيونية العنصرية التي تقوم على العداء للعرب، مسلمين ومسيحيين، واعتبار اليهود شعب الله المختار، وفوق البشر، وتسعى إلى إقامة الدولة اليهودية العنصرية القائمة على إلغاء الوجود العربي في فلسطين المحتلة.

على صعيد الممارسات: يستخدم داعش العنف والإرهاب ضد كل من يكفره من فئات المجتمع، وهو لا يتوانى عن ذبحه وقتله باسم الدين والشرع تماماً كما يعطي العدو الصهيوني الحق لنفسه في ارتكاب المجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، أطفالا ونساءً وشيوخا ويشرع المتطرفون الصهاينة في التحريض على قتل كل عربي، وهو ما شاهده العالم أخيراً خلال العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة.

على صعيد الاستهدافات: يستهدف تنظيم داعش، لأجل إقامة دولته الصافية والخالصة التي تدين بفكره التكفيري، ضرب وحدة المجتمعات العربية، وبالتالي إثارة الفتنة والحروب الداخلية وتقويض عناصر بنيان الدولة الوطنية في الوطن العربي، وهو ايضاً ما تسعى إليه الدولة الصهيونية باعتبار ذلك هو السبيل لتصفية القضية الفلسطينية وتبرير اعلان الدولة اليهودية العنصرية وتسيّدها على كل المنطقة.

على صعيد الأولويات: ليس لدى داعش أولوية مقاتلة إسرائيل، إنما اولوياته إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وهذا ما أعلنه بوضوح خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهو ما يعني أن اولويته ضرب المجتمعات العربية، وهي نفس الأولوية الإسرائيلية ايضاً.

انطلاقاً من ذلك من الطبيعي ألا ترى إسرائيل في داعش خطراً يهدد مصالحها، بل على العكس فإنه يشكل اكبر خدمة لمشاريعها، وسياساتها التي تسعى إلى ترجمتها على الأرض، ولهذا فإنها تعمل على توظيف خطر داعش على المنطقة والاستفادة من تضخيم هذا الخطر لأجل تحقيق الأهداف التالية.

الهدف الأول: السعي إلى الظهور بأنها جزء من التحالف الدولي الإقليمي الذي يجري العمل على إقامته لمحاربة داعش بهدف تلميع صورتها ونفي صفة الإرهاب عنها، خاصة بعد الجرائم التي ارتكبتها اخيراً في قطاع غزة.

الهدف الثاني: محاولة وصم حركات المقاومة الفلسطينية بالإرهاب عبر تشبيهها بداعش، لتبرير حربها ضد الشعب الفلسطيني، وكسب التأييد الدولي إلى جانبها.

الهدف الثالث: استخدام خطر داعش في الدول العربية المجاورة لفلسطين لا سيما الأردن، لتبرير الشروع في إقامة جدار عازل على طول نهر الأردن، وبالتالي تكريس الاحتلال الصهيوني الاستيطاني في منطقة غور الأردن في إطار أي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية.

الهدف الرابع: الاستفادة من خطر داعش لأجل زيادة التحريض على الفتنة والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في المنطقة لتبرير دعوتها لإعلان الدولة اليهودية العنصرية في فلسطين المحتلة.

الهدف الخامس: العمل على إيجاد المبررات الداخلية لتبرير زيادة الموازنة الإسرائيلية الأمنية، وإبعاد أنظار الإسرائيليين عن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تفاقمت على خلفية التكاليف الباهظة للعدوان على قطاع غزة.

هذه الأهداف الإسرائيلية لا تتناقض مع الأهداف الأميركية الساعية بدورها إلى توظيف خطر داعش لأجل إعادة تجميل صورة السياسة الأميركية في المنطقة، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبالتالي العمل تحت هذه اليافطة لاستعادة نفوذها وتعزيزه لا سيما في العراق بعد أن خرجت منه مهزومة عسكرياً وبدأت تفقد تأثيرها السياسي فيه، ولهذا شهدنا كيف ان تنامي خطر داعش واكبه تحرك أميركي سياسي ودبلوماسي قبل وخلال عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لضمان مشاركة قوى وشخصيات موالية لواشنطن.

وفي نفس الوقت فإن أميركا تحاول أن تظهر بأنها لا تزال هي من يقود العالم من جديد تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبالتالي تأكيد زعامتها الدولية وعدم الإقرار بوجود تعددية دولية وإقليمية.

وإذا ما أخدنا بالاعتبار العلاقة التحالفية الإستراتيجية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية، وأهدافهما المشتركة في المنطقة فإنه بالإمكان القول إن خطر داعش الإرهابي وتكبيره يصب في خدمة أهدافهما لإبقاء المنطقة خاضعة للهيمنة الأميركية من ناحية وتصفية القضية الفلسطينية من ناحية ثانية لمصلحة المشروع الصهيوني.