شهيرةٌ قصة الدبلوماسيّ الغربيّ، العارف جداً، الذي قيل له، بعد عام من اندلاع الأحداث السورية، إنَّ عدد القتلى بلغ ألفين، فأجاب:

راجعوني عندما يصبح عدد القتلى ألفين بعد المئة.

للوهلة الأولى اعتقد محدِّثو الدبلوماسيّ الغربيّ بأنَّه يبالغ، لكنَّ تطورَ الأحداث أثبت أنَّه كان على حق، فعددُ القتلى تجاوز الرقم الذي توقَّعه.

***

ما ينطبقُ على عدد القتلى، ينطبقُ على عدد النازحين، فحين اندلعت الأزمة السورية حَدَث نوعان من النزوح:

الأول، نزوحٌ إلى الدول التي لا تتشارك مع سوريا بأيِّ حدود، وهو نزوحٌ إلى دول المغرب العربي ودول الخليج وإلى أوروبا وأميركا وأوستراليا، وهو لا يُشكِّل أيَّ عبء على الدول التي وصل إليها.

والثاني، نزوحٌ إلى الدول التي ترتبط بحدودٍ مع سوريا، أي لبنان وتركيا والعراق والأردن. بين هذه الدول هناك حدودٌ مضبوطة بنسبٍ متفاوتة، فهناك الضبط القوي، كالأردن وتركيا، وهناك الضبط الضعيف كلبنان، وهذا الوضع أدى إلى أن يتحمَّل لبنان العبء الأكبر لهذا النزوح حيث بلغ عدد النازحين، إلى اليوم، مليون ونصف مليون نازح، فيما عدد النازحين في الأردن لا يتجاوز النصف مليون نازح.

***

إذا توقَّفت حركة النزوح اليوم، فإنَّ ثلث عدد سكان لبنان هم من النازحين، فيما النسبة في الأردن لا تتجاوز الثمانية في المئة، وفي تركيا النسبة أقل بكثير.

أكثر من ذلك فإنَّ النازحين، سواء في الأردن أو في تركيا، موجودون في مخيمات مضبوطة، فيما في لبنان يبدو إنفلاش النازحين في كلِّ المناطق من دون إستثناء ومن دون ضوابط، لا على المستوى الأمني ولا على المستويات الإجتماعية والإقتصادية والصحية والتربوية، فلبنان أصلاً غيرُ مجهَّزٍ في البنى التحتية لتلبية حاجات ومتطلبات أبنائه، فكيف إذا زيدت متطلبات ثلث أبنائه؟

***

وأكثر من ذلك أيضاً، ماذا لو تصاعد عدد النازحين إلى ما هو أكثر من العدد الذي بلغه؟

السؤال مشروع، والجواب لن يتأخَّر في الوصول، وذلك بسبب المعطيات التي تتجمَّع وتتقاطع حول التطورات المرتقبة في سوريا.

ففي العراق وسوريا ستكون هناك حربٌ من الجو وربما من البر، ولأنَّ تنظيم داعش الذي ستُشنُّ الحرب عليه، متغلغلٌ في كلِّ المناطق، فإنَّ حركة النزوح من تلك المناطق ستتضاعف، والعملية ستتم أولاً من العراق إلى سوريا، ثم من سوريا إلى لبنان، ولأنَّ هذه الحرب ستتطول فإنَّ النازحين سيزداد عددهم في لبنان، ومَن يدري فقد يصل عددهم إلى نصف عدد سكان لبنان!

***

هل يُدرِك المعنيون ماذا تعني هذه النتيجة؟

الأسبوع المقبل سيتوجَّه رئيس الحكومة إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. هذه مناسبة يُفترض أن تُشكِّل، فرصةً ثمينة لوضع هذه المعطيات أمام الدول المعنية والفاعلة، وإلا فإنَّ لبنان ذاهبٌ نحو ما هو أسوأ.

فهل بالإمكان وضع كلِّ الحرتقات جانباً، للتبصر في ما نحن فيه وفي ما يمكن أن نكون عليه إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه؟

فقد نصحو على بلدٍ لم يعد... بلداً.

أين عهدُكَ يا دولة الرئيس سعد الحريري، عهد الشباب والإعتدال عندما كان رؤساء وزراء العرب والعالم يأتون بدعوتكم، والأمور تسير نحو الإنفراج الحضاري. لكنَّ بعض القيادات في الداخل أراد التكتل ضدكم وإزاحتكم، وها نحن اليوم، كل لبنان الحرّ، يدفع الثمن غالياً والله ينجينا من الأعظم.