شق تنظيم "داعش" الارهابي طريقه بشكل غير مسبوق إلى "النجومية"، وبات على كلّ شفة ولسان نظراً إلى فظاعة أعماله الاجرامية ويأس مقاتليه الذين يتغنون بالموت كونه سبيلهم الوحيد، وملاذهم الأخير بعد أن نبذتهم الحضارة والانسانية.

بسحر ساحر، كبُر هذا التنظيم الارهابي، وبفضل مآثر وسائل الاعلام والضخ الاعلامي لأخباره، تحوّل إلى ماردٍ أقوى من أيّ دولة تملك جيوشها وموازنتها وشعبها. ولعلّ الدليل الأبرز على ذلك، الحلف الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية ضد "داعش" للقضاء عليها، والذي أعلنت واشنطن أنه يضمّ أكثر من 40 دولة عربية وغربية، ولكن...

دون الدخول في سجالات المتسبب في إبصار هذا التنظيم الارهابي الحياة، والغاية من "خلقه"، لا بدّ من التوقف ملياً عند التحالف الذي أنشئ، وهو خليط من الدول قابل للتفكك في كلّ حين، وذلك بسبب عدم تجانس مكوناته، إلا أنّ ما يجمعه أغنى بكثير ممّا يمكن أن يفرّقه. ويمكن الركون في هذا السياق إلى ما قاله وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغيل أمام مجلس الشيوخ من أنّ ​التحالف الدولي​ للقضاء على "داعش" يحتاج إلى موازنة قدرها 500 مليار دولار، قيل إنّ الدول العربية ستتكفل بنحو 485 مليار دولار منها!

هذا المبلغ يفسّر سر الحماس الأميركي-الغربي، ومن المؤكد أنه لولا الخوف من استرجاع نغمة "الحرب الصليبية" التي أطلقها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش قبل غزو العراق، لكان التحالف أقلّ بكثير من عدد هذه الدول (مع الابقاء بالطبع على الدول العربية لأنها المساهم الرئيسي كما أنها دول إسلامية تنفي صبغة الغرب الصليبية عن الحملة)، ولكن الحاجة كانت ملحة لاشراك أكبر عدد ممكن من مختلف القارات وخصوصاً العربية لدحر هذه التسمية.

إذا، تحوّل تنظيم داعش من نقمة الى نعمة، فهو المموّل الرئيسي لأميركا ودول التحالف، ومن الطبيعي أن تكون للولايات المتحدة حصة الاسد من موازنة التحالف كونها القوة الأكبر و"أم الصبي" في هذا المجال. والمليارات التي سيدخلها التنظيم إلى "جيوب" الدول الكبرى وحلفائها، ستكون السبب الأساسي في عدم القضاء على داعش بصورة سريعة. وهذا هو سرّ الحديث عن سنوات تتراوح بين 3 و 5 للوصول إلى أهداف التحالف، فهل حقاً تعجز 40 دولة والجيوش العربية والمنظمات المسلحة التي تقدر بالآلاف ناهيك عن أحدث أنواع التكنولوجيا والاسلحة الفتاكة في القضاء على تنظيم يبلغ عديد عناصره وفق أكثر التوقعات تضخيماً 31 الف ارهابي؟

وكبادرة "حسن نية" على ما يبدو، أفادت وسائل إعلام أميركية مواكبة للتحرك الاميركي ضدّ داعش أنّ الغارات الأميركية منذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما الحرب على التنظيم الارهابي، بلغت نحو 162 غارة وأطلق خلالها نحو 250 قذيفة وصاروخ.

لم تطالب الولايات المتحدة بالتعويض عن هذه الطلعات والصواريخ، ولكنها ألمحت إلى استعدادها لتدريب عدد من جنود الجيش السوري الحر (الذي أعلن عدم مشاركته في التحالف)، بمبلغ 500 مليون دولار أميركي فقط، كله في سبيل "الهدف النبيل" وهو القضاء على داعش.

ولو كان هدف القضاء على داعش صادقاً، فلا مفرّ من المواجهة البرية رغم أهمية الغارات الجوية، ولكنها غير كافية بالتأكيد لـ"تنظيف" المناطق من هذا السرطان الارهابي. وقد أبدى العديد من القادة والخبراء العسكريين في الولايات المتحدة وخارجها إصرارهم على ضرورة التدخل البري وفي مقدمهم رئيس الاركان المشتركة في الجيش الاميركي مارتن ديمبسي(1).

إلا أنّ الادارة الاميركية رفضت بشدّة هذا الخيار لسببين أساسيين: الأول يكمن في أنّ الخيار البري يشكل حلاً سريعاً للقضاء على داعش بمساعدة دول الجوار إذا ما صفت النيات بالفعل، حيث يحاصر أعضاء هذا التنظيم الارهابي في مناطق محدّدة بفعل تحرّك جيوش الدول المجاورة لتطويقهم، إضافة إلى الغارات والقصف بالأسلحة الثقيلة، ناهيك عن مواجهتهم في الداخل للجيشين السوري والعراقي وحزب الله وبعض الفصائل التي اتحدت ضد داعش.

أما السبب الثاني فيكمن في تفادي الرئيس الاميركي الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه سلفه جورج بوش بإرسال جنود ليقاتلوا في العراق، فكانت النتيجة كارثية من حيث عدد القتلى، ونجح أوباما في معركته الرئاسية من خلال تأكيده سحب الجنود الاميركيين من العراق والابقاء فقط على عدد منهم.

ولو كان هدف القضاء على داعش صادقاً، ألم يكن من الاجدى صرف مبالغ أقلّ بكثير لتقوية جيوش المنطقة ومنها الجيش اللبناني، و"اصطياد" قادة التنظيم استخباراتياً، وقطع الموارد المالية وطرق التجنيد العديدة، ومنع بعض الدول من شراء النفط من التنظيم الارهابي؟

أسئلة لن تجد جواباً لها لأنّ من يملك الجواب يربط مصير بقائه بمصير بقاء داعش وارهابها، فهذا التنظيم بالنسبة الى العديد من الدول هو "الدجاجة التي تبيض ذهباً"، فهل يتخلى مالك الذهب عن كنزه؟

(1)في 16 ايلول الفائت، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي إنه قد يرفع توصية بإرسال قوات برية أميركية إلى العراق إذا لم تحقق استراتيجية الرئيس باراك أوباما الرامية إلى القضاء على داعش النجاح المنشود.