كم يبدو الكلام عن الانتخابات النيابية، غريباً ومستفِزاً في هذه الايام، ومن خارج السياق والاهتمامات الآنية للبنانيين الخائفين على مستقبلهم، سواءَ أمِن الارهاب المحيط بهم أم من أحداث يومية على حدودهم الشرقية في عرسال، حيث يواجه الجيش حرباً حقيقية ويقف سداً منيعاً بوجه مجموعات إرهابية تحاول جعلَ لبنان ارضَ حقدٍ ودمارٍ محروقة... بالاضافة الى أزمة إقتصادية تشدّ الخناق على الطبقات الإجتماعية كلها وتكاد تفقرها جميعها، باستثناء قلة قليلة تعيش من فقرنا ومشاكلنا.

وما يزيد من غرابة المشهد هو تردّد غالبية الطبقة السياسية في اطلاق الحملات الانتخابية، وكلامها العلني والسري عن أنّ الانتخابات لن تُقام وأنّ التمديد كي لا نقول الفراغ سيسود في النهاية.

وهذا الجوّ الضبابي المقيت لا ينسحب على نتائج الانتخابات النيابية كما هو مفترض عند أيّ إجراء ديمقراطي وإنما على مصيرها في حال اجرائها من عدمه... هو سبب اضافي لقرف اللبنانيين من الحياة السياسية ويعيق قيام ديمقراطية حقيقية، إذ وفي البلاد الديمقراطية عادة ما تشكل الانتخابات النيابية فرصة حقيقية للتغيير، تغيير يطال العقليات والافكار والخطط، فتخضع الطبقة السياسة لمشرحة المحاسبة ويدفع نواب الأمة بحسب ما اقترفته ايديهم من حسنات أو سيئات سلباً أو ايجاباً.

إنّ احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية الديمقراطية، يشعر المواطن تلقائياً بأهميته في الحياة السياسية والوطنية ويدفعه للمطالبة بحقوقه وواجباته الانتخابية، عبر قانون يحترم رأيه، ويؤمّن شفافية مطلقة، ويمنعه الى حدّ كبير من التكهن بنتائج الانتخابات، الى عدالة في التصويت والتمثيل وحسن المراقبة، الى قيام احزاب تحترم الهرمية والقواعد الديمقراطية، والى مسؤولين يتحمّلون نتائج اعمالهم.

وأكبر دليل على ما نقوله وعلى أهمية المحاسبة واحترام عقول المواطنين، وأحدثه، ما جرى الاسبوع الماضي بعد ظهور نتائج الاستفتاء حول استقلال اسكتنلدا، فكم كان معبّراً وحضارياً إقرار واعتراف زعيم حملة الاستقلال، رئيس الحزب القومي الاسكتلندي ألكس سالموند بهدوء امام مناصريه وامام العالم اجمع بأنّ مؤيّدي عدم الانفصال عن المملكة المتحدة فازوا بالاستفتاء الذي كان يعوّل عليه مع أنصاره لقيام دولة اسكتلندية مستقلّة وذلك فور صدور النتائج الرسمية.

ولم يكتفِ بهذا الاعلان، إذ سرعان ما اعلن استقالته من زعامة الحزب ومن منصبه كوزير أول لتلك المقاطعة... علماً بأنّ هذا الاستفتاء كانت نتائجه غامضة وفقاً لاستطلاعات الرأي التي سبقت إجراءه. وعلى ضوء نتائجه كان سيحدّد مصير دولة عظمى كي لا نقول قارة بأسرها.

لقد أوردنا هذا المثال كي نقول إنّ احترام عقول المواطنين وإرادتهم هو الركن الأساس والنهائي في قيام نظام ديمقراطي حقيقي. من هنا وبالعودة الى واقعنا الانتخابي، واحتراماً لما تبقى من ديمقراطية، على الكتل النيابية اليوم وقبل الغد، إما تاجيل الانتخابات لفترة جدّ وجيزة على أن يتم اقرار قانون انتخابي يحترم الاسس الديمقراطية، وإما احترام المواعيد الانتخابية وتهيئة الجوّ لانتخابات نيابية ديمقرطية بحدّها الادنى. أو نعي الديمقراطية وإعلان لبنان كبلد من خارج هذا السياق.