لطالما اشتهر الرومان والمصريون القدامى بتبجيلهم للأفعى واعتبارها رمزاً للقوة والعنفوان ودلالة على السلطة والنفوذ والجبروت، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يتعاملون مع الافعى على انها حيوان سام ويمكن لانيابه ان تفتك بأجسادهم عند شعورها بالخطر او في حالة الدفاع عن النفس. كما اشتهر القدامى من المصريين والرومان وخصوصا حكماءهم في الطب والفلسفة باستخراج الدواء من الداء والترياق من السموم انفسها اكانت عشبية او حيوانية. واذا كان في الافعى نفسها السم القاتل والترياق الشافي فحكومة تمام سلام هي كذلك فهي بعد ما يقارب الـ 9 اشهر من تشكيلها تحمل في طياتها بذور التفجير السياسي بكامله كما باتت تحمل على طاولتها سيف التوافق بحديه فلا مراسيم توقع او قرارات تتخذ الا بالتوافق ولاحقاً بالاجماع فأي قرار يتخذ ويحتاج الى مرسوم كي يصبح نافذاً لن يصير كذلك الا بتواقيع الوزراء "الملوك" الاربعة والعشرين.

ورغم سيف التوافق ومراسيم ذات الاربعة وعشرين توقيعاً ما زالت حكومة تمام سلام تتخبط يميناً ويساراً بين سندان مصلحة هذه الجهة السياسية وبين مطرقة منفعة تلك.

وتشير مصادر وزارية بارزة في 8 آذار الى حجم هذا التخبط الذي اصاب الحكومة منذ احداث عرسال في الثاني من آب الماضي حيث غلب تخبط الحكومة يميناً ويساراً وناورت واخفقت واخطأت في ترك مصير عرسال واهلها ونازحيها في يد حفنة من الاشرار وحثالة من الارهابيين ولم يقو عودهم او يستعصي الا بوجود حاضنة سياسية لبنانية استفادت بدورها من غطاء اقليمي ودولي لهذه المجموعات ورعتها ومولتها وسلحتها وفتحت لها المطارات والحدود وسمحت لاجهزتها الامنية ان تغض النظر عن دخول وخروج هؤلاء كما عمدت الى تدريبهم وتسليحهم مباشرة او عبر وسطاء.

ولعل الامر الذي يثير ريبة هذه المصادر هو كيفية تهريب المسلحين من عرسال عند وقف إطلاق النار ومعهم العسكريون المختطفون بعد تعهدات اعطيت من قبل شخصيات دينية وبلدية عرسالية متعاطفة مع النصرة وداعش وقدمت لها تسهيلات لاهداف مادية او سياسية.

المعارك العسكرية وسيرها منذ 2 آب وحتى اليوم تدفع المصادر الى التساؤل عن اسباب الازدواجية التي يمارسها فريق تيار المستقبل داخل الحكومة فهو لا ينفك يقدم الدعم الكلامي والاعلامي للجيش ويجمع على التضامن الحكومي مع الجيش وقيادته وتوفير كل الغطاء السياسي والمعنوي لقيادته لملاحقة الارهابيين واجتثاثهم من عرسال وجرودها وتحريرهما منهم. وتشير المصادر صراحة الى ان ما يجري ميدانياً يؤكد وجود ضغط سياسي هائل يمارس على قيادة الجيش لمنع قيامها بعملية عسكرية واسعة لانهاء الحالة الشاذة وتطويق الارهابيين وتحرير العسكريين.

ورغم ان المصادر الحكومية على دراية شبه كاملة بقدرات الجيش وحجم طاقته التسليحية والتي تصفها بانها كافية لتطهير المدينة، الا انها لا تعتقد ان السلاح وحده كافٍ من دون وجود قرار وطني وسياسي شامل بالتوحد خلف الجيش وقيادته وجميع الاجهزة الامنية للقضاء على داعش والنصرة وتوقيف كل من يقدم لهم العون والمساعدة في اماكن معروفة وخاضغة لنفوذ تيارات سياسية تدعي الاعتدال وتختبئ خلفه.

وتشدد المصادر نفسها على ان قرار الحسم السياسي والعسكري لن ينجح بالسرعة المطلوبة والنجاعة الكافية من دون التنسيق الكامل بين لبنان سورية والاستفادة اللبنانية من قدرات سلاح المدفعية السورية والكثافة النارية التي يؤمنها سلاح الجو السوري والذي قام بغارات في الايام الماضية كانت فعالة وقاصمة لدك اوكار التكفيريين في جرود عرسال لجهة الحدود المشتركة.

وعن الرسالة السورية التي نقلها الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني السوري نصري خوري الى الرئيس تمام سلام عبر قيادة الجيش الاسبوع الماضي، تؤكد المصادر انها لم تلق آذاناً صاغية من رئيس السلطة التنفيذية والذي يتريث في اتخاذ قرار بشأنها على اعتبار ان اي قرار ايجابي او سلبي يلزمه بخطوة ما تجاه سورية وحكومة دمشق.

التطورات السلبية لقضية العسكريين المختطفين تقاربها المصادر الوزارية بكثير من الدقة والعناء وتعتبر ان الرئيس سلام واللواء عباس ابراهيم هما الاكثر اطلاعاً على تفاصيلها ولا سيما لائحة المطالب التعجيزية التي رفعها الارهابيون عبر الوسيط القطري مسبقاً والتركي لاحقاً اليهما. وتشير بصراحة الى عدم القبول بأي شكل من الاشكال بمبدأ المقايضة بأي مسجون ارهابي في السجون اللبنانية بالعسكريين وان قرار التوجه الى بدء تنفيذ الاعدامات بحق المحكومين الخطرين للجم الجهات الخاطفة عن قتل المخطوفين لم يتخذ ويبقى ورقة حاضرة قيد التداول في اي لحظة.

الحديث عن قتل طائفي ومذهبي ممنهج واللعب على وتر الغريزة الطائفية ومشاعر اهالي الشهداء من الاسرى والباقين من الاحياء ترى فيه المصادر من اهداف الخطف التي يحاول تنظيم النصرة القيام به ويتقنه لقيامه مسبقاً بعمليتي خطف حجاج اعزاز وراهبات معلولا في حين يبدو تنظيم داعش اقل تنظيماً وحضوراً في القلمون وجرود عرسال.

وفي السياق تحذر المصادر من استرسال بعض الجهات الدينية والسياسية في فريق 14 آذار وتيار المستقبل من الاستثمار في الخطف وتحركات اهالي العسكريين لتوجيه اللوم الى فريق 8 آذار والثنائي الشيعي تحديداً، بعرقلة تنفيذ صفقة التبادل ما يدفع جزءا من الاهالي الى ردات فعل متقابلة. فلعبة الشوراع المتقابلة لم تنجح في ايقاظ الفتنة ولن تنجح مهما كانت التضحيات او الفاتورة التي ستدفع دفاعاً عن وحدة الجيش وسلامة الوطن.