«داعش» و«النصرة» وجهان للعملة الارهابية الواحدة.... ومع ذلك فان الائتلاف الذي تقوده اليوم الادارة الاميركية اعلن الحرب على التنظيم الاول ولم يذكر الثاني في مؤتمري جدة وباريس، رغم تصنيف «جبهة النصرة» بالتنظيم الارهابي ليس من قبل مراكز القرار الدولي فحسب بل ايضا من دول اقليمية وعربية مشاركة في الائتلاف كالمملكة العربية السعودية.

انها معادلة «حزورة» يقول مرجع سياسي بارز بكل معنى الكلمة، وهذا يزيد الغموض والشكوك حول الائتلاف الناشئ ويجعل معالمه حتى الان غير واضحة بل ومثيرة للريبة والحذر.

والى جانب ذلك يرى المرجع ان هناك اسبابا عديدة تجعل من النتائج التي انتهى اليها المؤتمران غير واضحة المعالم لكي ينبى عليها «ففي مؤتمر جدة استبعدت روسيا وايران وطبعا سوريا من الائتلاف، ثم عاد مؤتمر باريس ليشرك موسكو مع تأكيد من الرئيس الفرنسي هولاند على انه لا بد من اشتراك روسيا في التحالف الدولي والاقليمي لمحاربة «داعش».

وفي قراءة عامة لمشهد الائتلاف المذكور يظهر بوضوح الاختلاف بين اعضائه حول الاستراتيجية والرؤية تجاه المنظمات الارهابية لا سيما «داعش» و«النصرة». فهناك دول يضيف المرجع متهمة بدعم وتمويل التنظيم الاول او الثاني، وهناك من يرى انهما مع مجموعات اخرى يجب محاربتها جميعا كما هو موقف مصر التي لا تحبذ او تؤيد فكرة اسقاط النظام السوري بعد كل ما جرى ويجري.

اما بالنسبة لتركيا فهي لم تعلن اي موقف واضح تجاه هذا الموضوع تارة بحجة وجود مخطوفين اتراك لدى «داعش» قبل ان يطلق سراحهم منذ ايام، وتارة اخرى تحت تبريرات وعناوين غير مقروءة او مفهومة.

وحسب قراءة المرجع فان التصنيف الذي يستنتج من مواقف العديد من الدول المشاركة في الحلف الجديد ان هناك تنظيمات ارهابية اكثر نظافة من تنظيمات اخرى ومن هنا كانت الحجة التي اعتمدتها الادارة الاميركية لدعم وتسليح ما سمته وتسمية المعارضة المعتدلة في سوريا.

واذا كان تنظيم «داعش» الاكثر دموية وتوسعا بين الجماعات الارهابية، فان «جبهة النصرة» يقول المرجع منذ نشوئها وحتى الان تملك سجلا حافلا بالارهاب والجرائم المصنفة جرائم حرب وضد الانسانية، ويكفي الاشارة في هذا المجال الى تصفية الاسرى باشكال وحشية متعددة من الذبح الى اطلاق النار على الرؤوس كما حصل للجندي اللبناني المخطوف محمد حمية.

ويضاف الى سجل هذا التنظيم ما تكشف بشكل واضح وسافر مؤخرا لجهة العلاقة المباشرة مع العدو الاسرائيلي على حد قول المرجع، اكان من خلال الافادة والتعاون معه في معارك القنيطرة والجولان الحدودية ام من خلال وجود قياديين مرتبطين به في اسرائيل بشكل شبه دائم.

وعدا ذلك، حسب قراءة المرجع، فان مجموعات ارهابية مسلحة اخرى اخذت تحيد انفسها وتغير الرايات لتجعل نفسها في خانة «الارهاب النظيف» غير المشمول باهداف الائتلاف الذي تقوده وترعاه واشنطن.

ويضاف الى هذه القراءة المختصرة والعامة عناصر اخرى تعزز الشكوك حول وضوح الرؤية تجاه هذا التحالف، منها على سبيل المثال استبعاد وزير الخارجية الاميركي جون كيري بداية ايران من التعاون في سبيل محاربة «داعش»ثم تصريحه مؤخرا عكس ذلك واقراره بوجوب مشاركتها في هذا العمل.

كذلك هناك اسئلة عديدة يقول المرجع لم يجب عليها مؤتمرا جدة وباريس ابرزها تلك المتعلقة بالخطر «الداعشي» الذي يمتد من العراق الى سوريا فلبنان، لا بل ان تكرار الكلام عن محاربة النظام السوري بما يسمى «المعتدلين الاسلاميين» ليس سوى ذر الرماد في العيون لا سيما بعد ان ثبت ان هذا الاعتدال الذي يجري الحديث عنه غير موجود على ارض الواقع وليس له اي تأثير في خارطة المعركة الجارية في سوريا منذ بداية الاحداث وحتى الان.

ولان الرؤية غير واضحة بالنسبة لنتائج مؤتمري جدة وجينيف وللائتلاف المرجع الناشئ، برأي المرجع فان المشهد في المنطقة يبقى ضبابيا ومعقدا الى درجة كبيرة رغم حصول بعض التطورات مؤخرا، مثل بدء التقارب السعودي - الايراني بعد اجتماع وزيري خارجية البلدين، واعلانهما عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما.

واذا كانت طهران والرياض تتفقان مبدئيا على محاربة «داعش» في العراق فانهما تختلفان عليها في سوريا، ولا تنظر كل واحدة نظرة الثانية تجاه المجموعات الارهابية الاخرى لا سيما التي تنشط في سوريا على الاقل.

وفي ظل هذا المشهد المضطرب والمشحون الى حد الانفجار في المنطقة، يقول المرجع ان لبنان يواجه اليوم استحقاق المعركة المباشرة مع الارهاب بشقيه «داعش» و«النصرة» وتوابعهما. ولا تقتصر المواجهة في عرسال والجرود الحدودية مع سوريا بل تمتد الى الداخل حيث تختبئ الجماعات والمجموعات الارهابية في العديد من المناطق والامكنة، ويجري توقيف عشرات بل مئات العناصر الارهابية.

ويقول مصدر وزاري مطلع ان المعطيات المتوافرة حتى الان لا تدل على امكانية نجاح الوساطات والمفاوضات لاطلاق العسكريين المخطوفين، وان علينا ان نضع في اولوية حساباتنا تفعيل المواجهة في محاربة الارهاب والارهابيين.

وباعتقاده ان هذا يستلزم شرطين اساسيين: الاسراع في تسليح الجيش، وتعزيز القرار السياسي من خلال الاجماع على توفير كل مستلزمات هذه المعركة.

ويأخذ المصدر الوزاري على الدول المعنية والمجتمع الدولي بانه لم يبادر حتى الان الى التعامل مع خطورة الموقف في لبنان بالشكل المناسب، وهذا يبرز بوضوح من خلال التباطؤ في ارسال الاسلحة اللازمة للجيش وفق العقود التي تمت او الاتفاقات التي حصلت مؤخرا حول هبة المليار دولار المقدمة من السعودية.

وحسب التقارير والمعلومات فان برامج تسليح او مد الجيش بالسلاح والعتاد مع الولايات المتحدة ودول اخرى لا تتناسب مع الحاجة الملحة والمطلوبة، لا بل انها تمتد لاشهر رغم تفاقم الاخطار المتأتية عن المجموعات الارهابية لا سيما تلك المنتشرة في جرود عرسال.

ولان السلاح المطلوب يحتاج وفق هذه البرامج لفترة غير قصيرة، فان الخطة المعدة في الوقت الحاضر لمواجهة الارهابيين تنطلق من المثل القائل «ما حك جلدك الا ظفرك».

وبرأي المصدر انه على الرغم من كل هذا الواقع فان ما بدأه الجيش في اطار هذه الخطة مؤخرا اعطى نتائج جيدة وفعالة وينتظر ان تتحقق في المرحلة القريبة خطوات اخرى من شأنها التضييق على الارهابيين واضعاف حركتهم، وبالتالي الحد من خطورة نشاطهم قدر الامكان.

ويكشف المصدر عن ان الرئيس سلام والوفد الوزاري المرافق الذي غادر امس الى نيويورك، سينتهز فرصة وجوده لعقد لقاءات واجتماعات مع عدد من قادة ورؤساء الدول سعيا الى ترجمة دعم وتسليح الجيش بوتيرة اسرع، والى تجاوز ما يسمى بالمعوقات الروتينية.