بلى سنقاوِم... وليختبرنا الأعداء. هذا الكلام هو خلاصة نقاش ما بين سبعين رجلاً وامرأة، في عشاء وداع الصيف تحديدا في بيت مري، جرى منذ يومين، من أصحاب النجاحات الخاصة.

معظمهم من هذه النخبة التي تعمل في مؤسساتها الناجحة الخاصة.

توسَّع النقاش، ومحوره كان:

ماذا نفعل في مواجهة الإرهاب الذي يتمدَّد؟

بعد استعراض كلِّ الظروف كانت خلاصة واحدة بما يشبه الإجماع:

لا تخاذل، لا إستسلام، لا هجرة، بل صمودٌ في الأرض والمؤسسات، فهذه الأرض لنا وليست للإرهاب، ولو اختار أجدادنا الإستسلام والهجرة من هذا البلد لكانت نقاشاتنا اليوم في كندا أو اوستراليا.

هذا هو حال شريحة كبيرة من اللبنانيين اليوم، نقاشٌ لا ينقطع حول كيفية مواجهة المرحلة، هل بالإستسلام لها أم بمواجهتها؟

لكلٍّ من وجهتَي النظر، الحجج والقرائن والأسباب والإعتبارات. لا يعني أنَّ الذين لا يريدون أن يقاوموا هم متخاذلون، كما لا يعني أنَّ الذين يريدون أن يقاوموا بالرغم من نجاحاتهم المهنية هم أبطال. فلكلِّ فردٍ اعتباراته ولكلِّ عائلةٍ إعتباراتها، لكن ما يُجمع عليه الجميع هو أنَّ وجهتَي النظر على حق:

فدعاة الصمود اليوم يعتبرون أنَّ كلَّ ما بنوه في هذا البلد لمَن يتركونه؟

هناك فريقان طامعان به:

الإرهاب والفساد، فهاتان الأفتان وجهان لعملةٍ واحدة، فالإرهاب يأكل تعب الناس والفساد يأكل تعب الناس، إذاً المواجهة مزدوجة الأهداف، فما نفع مواجهة الإرهاب إذا كان وحش الفساد متربِّصاً لينقضَّ على ما تبقَّى؟

حكايةُ اللبنانيّ مع الصمود ليست إبنة البارحة، إنَّها حكاية متأصِّلة ومتجذِّرة:

إنَّها موجودةٌ في قلعة صيدا وعلى صخور نهر الكلب وفي قلعة الشقيف وفي بيت الدين، فلمن نترك هذا التاريخ؟

كبار عبروا في هذا البلد، منذ عهد الشيخ بشارة الخوري الى كميل شمعون الى فؤاد شهاب الى الياس سركيس، يجمعهم هدفٌ سامٍ واحد:

هذا البلد بناه الأجداد ويجب أن نحافظ عليه للأبناء الذين سيؤدون القَسَم ذاته بالمحافظة عليه.

على أيام جميع الذين وردت أسماؤهم كان هناك إرهاب، ولو بأسماء متعددة وتحت أكثر من ستارة، ومع ذلك لم يستسلموا بل صمدوا إلى أن حقَّق كلُّ واحدٍ هدفه الذي هو هدفٌ وطني.

كلُّ هذه الإنجازات لمَن نتركها؟

فكما في الشأن الوطني، هناك سائر الشؤون والمجالات التي برع فيها اللبنانيون وبنوا فيها صروحاً، فهل نتركها لقمةً سائغة للإرهاب؟

هذا بنى مصنعاً، وذاك صرحاً إعلامياً، وذاك مصرفاً لا بل مصارف توازي المصارف العالمية، وذاك شركة عالمية وآخر مدرسة ورابع جامعة رائدة وخامس مستشفى وسادس مشروعاً زراعياً يُحتذى به، فهل نتركها للعقول السوداء وأصحاب الأفكار الظلامية؟

أليس اللبنانيون هُم بناة عصر النهضة، فهل نتنكَّر لهم وللأجداد؟

كتَّابنا وشعراؤنا وصحافيونا وأدباؤنا ومؤرخونا والرسامون والفنانون، لم يُحرِّكوا أقلامهم وريشة لوحاتهم ليدفنوها في حقيبة السفر بل تركوها في هذه الأرض.

وعليه، ولكلِّ هذه الأسباب مجتمعةً:

سنبقى في البلد... سنقاوم ولو اضطررنا إلى حمل السلاح مجدداً.