لم تنجح المعارضة السورية منذ اندلاع الأزمة في العام 2011 بمواكبة تسارع الاحداث الميدانية والسياسية، وهو ما أدّى لبروز التنظيمات المتطرفة التي دهست القوى العلمانية التي انكفأت راضخة للأمر الواقع. حاولت هذه المعارضة مؤخرا ومع اعلان تشكيل التحالف الاقليمي الدولي ضد "داعش" أن تركب القطار السريع لكنّها فشلت مجددا خاصة أن المستجدات جاءتها أسرع مما توقعت.

لم تكتف هذه المعارضة بكل ما طبع سجلها من اخفاقات، حتى عمدت لتفجير خلافاتها في لحظة سياسية مصيرية بالتزامن مع بدء ضربات التحالف لمواقع "داعش" داخل سوريا، فبدل أن تجهّز قواها العسكرية للاستيلاء على هذه المراكز وبالتالي تولي المهمة البرية، اذا بها تكشف أوراقها الخاسرة للمجتمع الدولي واصدقائها الدوليين الذين كانوا يعولون عليها كطرف يمسك زمام الأمور على الارض.

مطلع الأسبوع، حلّ رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ​هادي البحرة​ مجلس القيادة العسكرية العليا الذي يضم القوى العسكرية الفاعلة على الأرض بعد "انسحاب فصائل أساسية منه ما جعله فاقدا لتمثيل الفصائل العسكرية والثورية الفاعلة على الأرض". فردّ عليه المجلس باقالة رئيس هيئة الأركان العميد عبد الإله البشير، لـ"ضعف أدائه وتجاوز الصلاحيات الممنوحة له".

حتى الساعة لم يعقد الائتلاف السوري، الذي يعتبر الكيان السياسي الأبرز للمعارضة اجتماعا طارئا لا لتدارك بدء الضربات على "داعش" داخل سوريا ولا لمحاولة ضبط الخلافات الداخلية السياسية والعسكرية على حد سواء والتي تهدد بضرب ما تبقى من أسس هذه المعارضة... ما يضع الولايات المتحدة الاميركية في موقف صعب باعتبار أنّ الخطة التي بدأتها باستهداف الارهاب في سوريا لن يكون هناك من يتلقفها بالداخل طالما هي مصرة على عدم التعاون الفعلي مع النظام السوري.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى "معضلة حقيقية" تواجهها دول التحالف بما يتعلق بكيفية استكمال العمل العسكري برًا ولاحقا على المستوى السياسي، ما سرّع المفاوضات بين الدول المعنية بالملف السوري لمحاولة اعادة تحريك عجلة الحل السياسي للازمة السورية.

وتستغرب مصادر في هذه المعارضة عدم التنسيق معها قبيل انطلاق الضربات وحتى بعدها، وتصف المعالجة التي يعتمدها المجتمع الدولي لمسألة "داعش" بـ"الناقصة"، مشددة على أنّ حلا لا تكون قوى المعارضة العسكرية جزءا منه ويقتصر على الضرب من الجو، "لن يكون ذي نتيجة تذكر".

وتتخوف هذه المصادر من أن تكون كلّ الأوراق التي يلعبها التحالف الدولي حاليًا تصبّ في مصلحة النظام السوري، وهو ما تؤكده مواقف (الرئيس السوري بشار) الاسد الذي رحّب بالغارات الأجنبية على الاراضي السورية بدل اعتبارها خرقا فاضحا للسيادة السورية. وتأمل المصادر أن تكون المستجدات الأخيرة "مجرد تقاطع مصالح بين النظام والمجتمع الدولي وليس تواطؤا على المعارضة والشعب السوري".

إذاً، تثبت قوى المعارضة السورية المعتدلة مرة جديدة عدم كفاءتها لتسلم زمام الأمور في سوريا، ما يفسر انضمام معظم عناصرها الى التنظيمات المتطرفة التي وجدت فيها كيانا موحدا لم تجده على مر السنوات الثلاث الماضية في "الاعتدال".