في الوقت الذي تجتاح فيه الموجة التكفيرية المنطقة بأكملها، لا يقف لبنان بعيداً عنها، فالعمل على تجنيد بعض الشبان يحصل في الكثير من الأماكن، ومظاهر التطرف موجودة فعلياً على أرض الواقع، حتى لو كان البعض لا يزال يريد إنكار ذلك.

يسمع الكثيرون حكايا وروايات عن أصدقاء لهم، ظهرت عليهم هذه المعالم بشكل مفاجىء، لكن ما حصل مع فتى فلسطيني، لم يبلغ من العمر السادسة عشر، في أحد مخيمات الجنوب يكاد لا يصدق، فقد وصل إلى مرحلة يتهم فيها والدته بـ"الكفر"، ويدعوها إلى ما زُرع في رأسه بأنه "​الإسلام​".

يتحدّث أحد أفراد العائلة، الذي طلب عدم ذكر التفاصيل التي تكشف هويته بسبب تواجد باقي أفراد العائلة في المخيم حتى الآن، أنّ الفتى القادم من مخيم اليرموك في سوريا، لم يتمكن من متابعة دراسته في لبنان لعدم حيازته أوراقه الثبوتية، حيث إضطر إلى المغادرة على عجل في بداية الأحداث هناك، وهو أيضاً لم يتمكن من العمل كونه غير قادر على مغادرة المخيم بشكل يومي دون أن تكون بحوزته هذه الأوراق، فالأجهزة الأمنية اللبنانية ستطالبه بإبرازها دائماً.

مع تراكم هذه الأوضاع، لم يجد هذا الفتى أمامه إلا الشارع متنفساً له، وكان الحزن يسيطر عليه معظم الوقت، فلا مدرسة يتابع فيها دراسته ولا عمل يساند فيه أسرته ولا أصدقاء يقضي معهم وقته، إلى أن تمكن بعد فترة قصيرة من التعرف على مجموعة من الشبان أكبر منه بالسن، ولم تمانع العائلة من هذه العلاقة بسبب مظاهر التدين "المطمئنة" التي تظهر عليهم.

يشير أحد الأقرباء، الذي يتولى رعاية الفتى حالياً، وهو من المنتمين إلى فصيل فلسطيني بارز على الساحة اللبنانية، إلى أن البداية كانت من خلال مواظبته على الصلاة في الجامع بشكل دائم، وبعد ذلك بدأت معالم التديّن تظهر عليه بشكل لافت، كما لاحظت والدته تغييراً كبيراً في سلوكه، إلى أن دخل عليها في يوم من الأيام متهماً إياها بالكفر هي وقريبتها لعدم إرتدائهما الحجاب، ومن ثم دعاها إلى عدم قبول المساعدات المالية التي تحصل عليها العائلة من جهات فلسطينية "علمانية"، قائلاً: "هذا مال حرام".

ولا يخفي صدمة الوالدة من هذا التصرف، فكيف يمكن لفتى لم يتجاوز من العمر السادسة عشر أن يصدر هكذا أحكام؟ لكن خطورة الأمر دفعتها إلى التعامل معه بحذر، ويتحدث عن حادثة أخرى حصلت بعد ذلك خلال فعاليات كأس العالم في كرة القدم الماضية، حيث سأل أقاربه عن سبب تأييدهم المنتخب الجزائري في إحدى مبارياته، فجاوبه أحدهم بأن هذا الفريق يحمل علم فلسطين، فكان رده بأن هذا الأمر لا يعنيه، لا بل ذهب إلى حد القول بأن هذه الراية لا تمثل الإسلام.

بعد ذلك، أخبرت الأم القريب الذي يسكن في المخيم نفسه عن هذا الواقع، معربة عن مخاوفها من أن تقود هذه الطريق إبنها إلى المجهول، ما دفعه إلى الحوار معه حول ما يحصل، فأكد الفتى أن حلمه هو "الجهاد" من أجل رفع راية الإسلام عن طريق محاربة "الكفار" و"الطواغيت"، فسأله عن سبب إندفاع هؤلاء اليوم في حين لم يتحرك أيٌ منهم من أجل محاربة الجيش الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين منذ ما يقارب الستين عاماً، ومن ثم سأله عن سبب عدم إطلاق هؤلاء أياً من الصواريخ التي لديهم على خلال العدوان على قطاع غزة نصرة لأهله، وبعد ذلك أخبره أن تنظيم "الدولة الإسلامية" إستعرض ثلاثة صواريخ سكود قال أنه يمتلكها قادرة على الوصول إلى هناك.

بعد ذلك، قررت العائلة بشكل حاسم نقل إبنها إلى خارج المخيم، ويؤكد الشخص الذي يتولى رعايته أن وضعه بتحسن مستمر منذ ذلك الوقت، خصوصاً أن من يسكن معه يعمل على إرشاده من خلال المتابعة الدقيقة، إلا أنه لا يوافق على الحديث معه عن تجربته حالياً، كي لا يكون لذلك تداعياعت سلبية عليه.

هذه قصة عائلة تمكنت من إنقاذ نجلها، قبل أن تجرّه ​الجماعات التكفيرية​ إلى الموت المحتم، لكن بالتأكيد هناك عائلات فشلت في ذلك، وهناك الكثير من الشبان الذين يكونون عرضة لمثل هكذا أمور من دون توعية من أي جهة رسمية أو أهلية.