ازدادت في الفترة الأخيرة أعداد المهاجرين من قطاع غزة إلى دول أوروبية، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الذي استمر لـ51 يوماً، بحثاً عن حياة أفضل وهرباً من الحصار والفقر والبطالة، في ظل انسداد الأفق أمام كثير من الشباب الفلسطيني خصوصاً، ما دفعهم للهجرة بطرق غير شرعية في رحلة يصفها ناجون تعرضوا للغرق في البحر المتوسط بـ "رحلة الموت".

ووفقاً لمصادر محلية، فإن أعداد المهاجرين من قطاع غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية والعدوان الإسرائيلي الأخير تقدّر بالآلاف، ومعظم هؤلاء من مناطق جنوب قطاع غزة، إذ تتم عملية الهجرة من خلال الأنفاق الموجودة على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بيد أن الأرقام الدقيقة لم تظهر حتى اللحظة.

تفاصيل "هجرة الموت"

"النشرة" وقفت عند تفاصيل "رحلة الموت" هذه، كما يصفها ناجون من الغرق نجحوا في الوصول إلى إيطاليا من مدينة رفح الفلسطينية مروراً بمصر وايطاليا وصولاً الى السويد، ودول اخرى من بينها بلجيكا، من خلال التنسيق مع أشخاص موجودين في غزة ومصر، إذ يتم تهريب من يريد عبر أحد الأنفاق الحدودية بمدينة رفح على الشريط الحدودي مع مصر مقابل مبلغ من المال لا يقل عن 700 دولار أميركي.

ومن ثمّ تبدأ المرحلة الثانية من العملية بالاتجاه الى مدينة الإسكندرية في مصر، ويتم التنسيق مع شخص تردد اسمه في وسائل الإعلام ويعرف بـ "أبو حمادة السوري" وهو سوري الأصل وامرأة أخرى تدعى "إم سليم"، إذ يتم المكوث لما يزيد عن خمسة أيام في إحدى شقق الإسكندرية حتى يزداد عدد المهاجرين لأكثر من 400 شخص، ومن ثم يتم نقلهم في باصات إلى بحر الإسكندرية ومنه يركبون في قوارب صغيرة ويبحرون لمسافة 5 ميل، ومن ثم يقوم المهربون بتجميعهم في قارب أكبر حجماً ومن ثم يبحرون لثلاثة أو أربعة أيام حتى ينجحوا في الوصول إلى المياه الدولية الايطالية.

وهناك يتم إنزال المهاجرين في قوارب صغيرة، وتركهم بالبحر ويقوم قبطان السفينة الكبيرة بالاتصال على الصليب الأحمر الدولي لنجدة المهاجرين المتواجدين بالبحر ومن ثم يغادر عائداً إلى الإسكندرية من أجل الحصول على مهاجرين جدد.

تكاليف باهظة

ويقول أحد الشباب الذين هاجروا من غزة ونجح في الوصول إلى السويد لـ"النشرة": "الرحلة كلفت ما يقارب ستة آلاف دولار أميركي، منها 400 دولار دفعتها في غزة من أجل الحصول على ختم مصري على جواز السفر الفلسطيني، ليوحي أنني غادرت غزة بطريقة رسمية من خلال معبر رفح، وهو غير صحيح فأنا دخلت من أحد أنفاق التهريب، والباقي للمهربين جزء منها في غزة والجزء الآخر في الاسكندرية بعد أن استلمت سترة النجاة قبل الصعود إلى سفينة الإبحار ومياه خاصة كالمحلول، وهي أمور تساعد على النجاة خلال رحلة الموت".

ونجح آلاف الفلسطينيين المهاجرين من غزة في الوصول إلى دول أوروبية كالسويد وبلجيكا واليونان وغيرها، جزء منهم تعرض للغرق ومات في مياه البحر الأبيض المتوسط، بعد غرق سفينة قبالة سواحل مالطة في المياه الإقليمية كانت تقل 500 مهاجر من جنسيات مختلفة كالسورية والمصرية والعراقية والنسبة الأكبر فلسطينية، فقدت آثارهم حتى الآن ونجا منهم ثمانية فقط.

رواية ناجِ

ويقول شكري العسولي أحد الناجين من المركب الذي تعرض للغرق ووصل إلى إيطاليا والذي هاجر هو وزوجته وطفليه لـ"النشرة": "حينما شارفنا على الوصول إلى شواطئ إيطاليا وكان أمامنا ساعتان فقط للوصول إليها، فجأة قدم إلينا قارب صغير متهالك عليه عدد من المهربين وطلبوا منا ترك السفينة والانتقال الى سفينة أخرى، فرفضنا الخروج من مركبنا للمركب الاخر كونه صغير وتعالت اصواتنا على المهربين لكن دون جدوى، حتى صدمنا القارب الصغير بشكل متعمّد ما أدى إلى فقدان توازن السفينة التي كنا نستقلها، حينها غرقت بمن فيها حيث كان في الطابق السفلي ما يزيد عن 200 شخص من العائلات من بينهم أكثر من 40 طفلاً وفي الطابق العلوي 250 شابًا تقريباً".

وأوضح العسولي إن الناجين من الغرق بقوا أربعة أيام في البحر، لكن بعضهم مات بسبب الجوع والعطش بينما أغمي على البقية ورمتهم الأمواج على شواطئ قريبة وتمّ إنقاذهم.

ويقول: "عندما نجح البعض منا في القفز من السفينة بعد أن غرقت توزعنا لعدة مجموعات وكنت برفقة 5 أشخاص بعضهم مصريون وسوداني وبجانبنا قرابة 50 شخصاً ممسكين ببعضهم البعض على شكل دائرة في وسط البحر دون أكل أو شرب واستمرينا في السباحة ليومين متتاليين وكنا على أمل أن يخرج من السفينة ناجون لكن دون جدوى.

ويضيف: "اختلف الشباب على خط السباحة في البحر وكل منهم سبح في اتجاه مختلف حتى أتى الليل وكان بجانبي شاب سوداني وما أن أقبل الصباح حتى رأيته ميتا، وهنا من منا تعلق بإحدى الجثث، وكانت الأمواج عالية والليل مخيف والمياه باردة جداً".

ويتابع: "بعد أربعة أيام من الحادث مرت سفينة تحمل العلم الفلبيني، فاستغثت بها، فأنقذني طاقمها وأجرى لي الاسعافات الأولية، وبعد عشر ساعات جاءت طوافة يونانية نقلتني أنا وثلاثة أشخاص آخرين إلى جزيرة كريت".

وقال إن الناجين في كريت اليونانية هم ثلاثة أشخاص من غزة ومصري وفتاة وطفلة من سوريا تبلغ الأولى 18 عاما فيما عمر الثانية عامان.

الأسباب

ك.ص أحد الذين نجحوا في الوصول إلى السويد، يقول إنه تخرج قبل أربع سنوات من كلية تكنولوجيا المعلومات، ولم يجد فرصة عمل في قطاع غزة، ما دفعه للتفكير في الهجرة حتى وصل إلى السويد.

ويقول لـ"النشرة": "في غزة لا يوجد مستقبل للشباب، حاولت الحصول على فرصة عمل مراراً وتكراراً لكن دون جدوى، فمنذ أن تخرجت وحتى قبل أن أهاجر لم أجد فرصة عمل والوضع الاجتماعي لأسرتي صعب للغاية ووالدي متوفي".

ويوضح ك.ص أنه يأمل في الحصول على فرصة عمل في السويد، من أجل أن يكمل حياته ومستقبله، ويحاول أن يساعد أسرته التي تعيش ظروفاً صعبة في قطاع غزة، مع تردي الأوضاع الاقتصادية واستمرار الحصار وإغلاق المعابر.

ردة فعل طبيعية

أما الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، فيرى أنه من الطبيعي أن يفكر الفلسطينيون في الهجرة، بعد أن حول الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى سجن مغلق خالٍ من مقومات الحياة الأساسية للمواطن الفلسطيني.

وفي حديث لـ"النشرة"، يرى عبدو أن ما يحدث هو ردة فعل طبيعية عن الأوضاع الصعبة في غزة، وليس تعبيرًا عن رفض المكان أو فلسطين او التخلي عن هوية، بقدر ما هو تعبير عن حالة تمرد وحصار وحالة لا إنسانية وجريمة يرتكبها العالم بحق قطاع غزة، مشدّدًا على أنّ "الشعب الفلسطيني يعتز بهويته وهي محل اعتزاز وفخر لكل الفلسطينيين".

في المحصلة، يبدو واضحًا أنّ الأوضاع المأساوية التي يعيشها أكثر من 1.8 مليون فلسطيني يقيمون على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً، في واحدة من أكثر بقاع الأرض اكتظاظاً، وانسداد الأفق أمام الشباب الفلسطيني خصوصاً، هي الدافع الأساسي لهؤلاء للهجرة، رغم ما تحمله هذه الرحلات من مخاطر..