ينقسم اللبنانيون إلى قسمين بالتعامل مع خطر قيام «داعش» و«النصرة» بهجوم كبير ترافقه تفجيرات متنقلة في عدد من المناطق اللبنانية، تنفذه ما تسمى بالخلايا النائمة.

القسم الأول يدعو لأخذ كلام قائد «جبهة النصرة» في القلمون «أبو مالك» على محمل الجد وقد رأوا جديتهم بالذبح وقطع الرؤوس من جهة ورأوا مسانديه مئات تقارب الألفين من المسلحين وغير المسلحين يهتفون بعد صلاة الجمعة بالزحف إلى بيروت ويستند القلقون إلى أن غياب خطة مواجهة لدى الحكومة والإمساك على يد الجيش بذريعة عدم إلحاق الأذى بالعسكريين المخطوفين يسمح لهم بالقول إن ما قاله قادة «النصرة» و«داعش» يستحق الاهتمام.

بالمقابل هناك فريق لبناني يعتبر أن حرب «داعش» و«النصرة»، من العراق إلى سورية ولبنان هي بروباغندا إعلامية تعتمد على الترويج للذعر ونشر الخوف لفرض وقائع سياسية تحت شعار تفادي الأسوأ، فيحصلون على ما يريدون من دون قتال، مستشهدين لمنطقهم بالطريقة التي نجحوا فيها بالخروج الآمن من عرسال ومعهم المخطوفون العسكريون بعدما سوّقوا أن الانسحاب بذاته مكسب كاف للحكومة اللبنانية بقوة البروباغندا التي اشتغلتها هيئة العلماء المسلمين لحسابهم وهي الجهة التي قدموها وسيطاً بينما ثبت لاحقاً أنها كانت جزءاً من بنيتهم وتكوينهم التنظيمي والسياسي.

هناك من يقول من دعاة التخفيف من خطر تهديدات «داعش»: «لا تعطوهم أهمية… كم عددعم 1000؟ 500؟ أين سيخرجون؟ ما هي مساحة تحركهم؟ ماذا سيستهدفون؟ من سيحتضنهم؟ يكملون لمزيد من التطمين: بمجرد أن يتحرك هؤلاء في أي منطقة الجيش اللبناني لن يبقى لهم باقية كما حصل في عبرا.

الخبراء والمتابعون يقولون لم يعد مقبولاً التسخيف والاستهتار

فـ«داعش» و«النصرة» يتحركان بقوتين داخل لبنان، الأولى مركزية عرسال وجرودها حيث الثقل الرئيسي لعدد المقاتلين ما يقارب 2000 شخص، والثانية قوة داخلية تتوزع على كافة الأراضي اللبنانية حيث البؤر المتوترة المعروفة سلفاً وليس خافياً تواجد «النصرة» و«داعش» في شمال لبنان في بعض أحياء مدينة طرابلس ومناطق عكار وفي صيدا عاصمة الجنوب ومخيم عين الحلوة تحديداً حيث يجري الحديث عن خلايا نائمة ورثت جماعة الأسير وفي البقاعين الغربي والأوسط نقاط التوتر المعروفة من أطراف شبعا نحو أطراف زحلة عدا عما يحكى عن وجود في بعض أحياء العاصمة بيروت.

هذا يعني أنه متى شعرت القوة الضاربة الموجودة في عرسال أنها في دائرة الخطر بسبب وجودها بالجبال الوعرة وبين الثلوج حيث لا يمكنها أن تبقى ستستخدم جماعاتها في الداخل التي أصلاً لا نفع لها ولا فائدة إذا لم تكن مجهزة لحماية القوة الضاربة المركزية في عرسال وإلا لماذا يحتفظ «داعش» و«النصرة» بمن يملكان بالداخل إذا كانت القوة المركزية بخطر؟

لذلك فإن الهجوم المنسق المتوازي بين القوتين هو هجوم لا يمكن مناقشة فرضيات حدوثه بقياس فرصه بتحقيق النجاح بل بصفته الضرورة الحتمية لخسائر أقل من انتظار الموت المحتم إذا بقيت القوة في جرود لا تعيش فيها البهائم والوحوش مع تقدم الشتاء. وهنا ليست المسألة إذا كان يمكن أو لا يمكن ضمان أن تستطيع الأجهزة الأمنية التصدي لهم في الداخل لأن القضية هناك حيث القوة المركزية في الجرود تنتظر قدر الموت. ولتغطية ومواكبة تحرك هذه القوة المركزية الإجباري يصبح تلقائياً أن تواكبها قوة الداخل في عدة مناطق مع بعضها وبنفس الوقت لتشتيت الجهود والإرباك وربما الأمل بإحداث اختراق؟ في عين الحلوة مثلاً وفي طرابلس في الوقت نفسه؟

التفجير بالكل توزيع على محاور عدة، من يضمن أنه وفي هذه الأثناء كي تتشتت القوى الأمنية أن لا تبقى التظاهرات بنفس النهار وقطع الطرقات وبالتالي قطع الإمداد عن الجيش المتواجد في القرى والمناطق؟ من يضمن… ومن يضمن؟.

كل المنطق العسكري المرتبط بجرود عرسال وما عدته «النصرة» للداخل اللبناني يقول إننا ذاهبون للانفجار الشامل وإن الانفجار والاشتباك هو قدر.

يخطئ اللبنانيون إذا ناموا على حرير تطمينات سمعوها منذ أشهر مفادها أن تفجير لبنان خط دولي إقليمي أحمر، فهذا الخط سقط منذ زمن «داعش»… حيث لا يمكن اعتبار أن هناك أي دولة تستطيع أن تؤكد نفوذها مئة في المئة على مكونات القاعدة بمختلف تسمياتها وهي تواجه خطر الموت، يستطيعون التدخل لمفاوضات تحمل مكاسب هنا أو تخفيفاً للخسائر هناك، لكن لا أحد يمكنه الإدعاء أنه يملك وقف التدحرج نحو المواجهة الحتمية إذا بقيت الأمور على حالها

على كل حال الجماعة إرهابية تقاتل بعقيدة وأيديولوجية متطرفة بغية الوصول إلى دولة تراها هدفاً يجب الوصول إليه بأي ثمن، وفي السياق يستعملها الآخرون وتستعملهم وقد صار لديها من مصادر القوة الذاتية ما يسمح لها مالاً منهوباً من النفط وسلاحاً مسلوباً من مستودعات الجيش العراقي ما يعطيها هذه الثقة.