شيئاً فشيئاً بدأت تتكشف أهداف التحالف الذي تقوده أميركا لضرب «داعش». فليست القضية كما يصورها الإعلام الغربي حجم توحش هذا التنظيم وارتكابه للمجازر والفظائع المروعة، ولا لتجاوزه الخط الأحمر له بتهديده المصالح الغربية في العراق والخليج وإن كانت «داعش» تمارس ثرثرة التهديد بين الحين والآخر للتسلية.

فلم تكن الإبادات الجماعية والدموية البشعة والتطهير العرقي وتهجير آلاف العراقيين والسوريين واستيلاء التنظيم المذكور على بعض آبار النفط لتلقى بالاً لدى عواصم دول التحالف، ولكن القضية ترتبط ارتباطاً مباشراً بموازين القوة وكيفية توزّعها بين قوى مناوئة للتحالف كروسيا وإيران وقوى متعاونة مع التحالف كتركيا والسعودية.

إنّ هذا التحالف الذي يتحدث الإعلام عن ضربه تجمعات ومقار ومواقع للدواعش، هو نفسه الذي كاد أن يضرب سورية المقاوِمة، ومراكز الجيش السوري الاستراتيجية قبل سنة من الآن، وفشل بفعل تصميم الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد الرد على أي عدوان خارجي يستهدف الأراضي السورية. واليوم يحاول هذا التحالف الذي يلبس لبوس مواجهته للإرهاب أن يتقدّم بشكل آخر وبأسلوب آخر في سبيل خلق توازنات جديدة تتشكل على إثر تهشيم ما تبقى من البنية التحتية المدنية والاقتصادية لسورية.

إنّ تضخيم «داعش» إلى هذا الحد هو لتسهيل التدخل الأميركي المباشر على خط الصراع الدائر في المنطقة بين محور المقاومة والمحور الذي ترعاه هي بنفسها بأدواتها من «إسرائيل» وتركيا إلى الممالك الخليجية وغيرها من الدول التي اعتلت أفهامهما فلم تعد تجد نفسها إلا تابعة وملحقة بالركب الأميركي.

فبعدما فشلت كل المحاولات السابقة في رسم خريطة جديدة للمنطقة تبدأ من سورية، ها هي أميركا تستعيد الوهم مرة أخرى، وبظنها أنّ بمقدورها في هذه الفترة أن تخلط الأوراق والحسابات والمعادلات لتجسيد واقع ينجح في إبعاد روسيا عن البحر المتوسط، وعزل إيران إلى أن تطلب التسوية المذلة أو الرحمة، وإرغام حزب الله على التراجع بحد السيف الداعشي هذه المرة.

إذاً نحن أمام تطورات تتشابك فيها ملفات تبدأ من أوكرانيا والبرنامج النووي الإيراني إلى اليمن والبحرين وخط النار العريض من العراق حتى سورية إلى عرسال وجرودها في لبنان. ما يؤشر إلى أن المنطقة مقبلة على أوضاع أكثر سخونة وأشد قساوة من السنين الثلاث الماضية بسبب حجم التناقضات وتفرعاتها التي سنحتاج معها إلى حذر شديد ومراقبة لطبيعة التطورات حتى لا نسمح لأميركا باستغلال أي ثغرة لإنجاح مخططاتها.

وبوضوح نحن أمام غزو جديد يسعى لضرب التنظيمات الإرهابية المتشددة ولكن عينه على سورية قيادةً وجيشاً. صحيح أنّ في المشهد ارتباكاً لكن أميركا تدور عندما لا تستطيع التقدم إلى الأمام مباشرة ولكنها لا تتوقف. وعلى محور المقاومة أن لا يتوقف أيضاً ولا يتزحزح عن مواقعه التي اكتسبها بفعل الصمود.

ها نحن نجد أنفسنا بين وحوشٍ كواسر على الأرض، وشياطين تسرح في السماء.

وما علينا إلا أن نعرف موقعنا في هذه التبدلات الجديدة، بحيث لا تنطلي علينا الخدعة الأميركية وإن بدا أن الإرهاب يقاتل الإرهاب، فالمسألة الأخطر هي بالتأكيد ما بعد هذه المرحلة. ماذا ينتظرنا كشعوب ودول من هذه الحركة أو هذا المسار من العمليات العسكرية المفتوحة على أكثر من صعيد، التي تبدو تكتيكية ولكنها استراتيجية بعمقها وأهدافها. هل نقف إزاء ما يجري مدهوشين؟ أم عازمين على المواجهة بالوعي والاستعداد والشهادة!