هو "سرطان التطرف"، كما وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، وقد اجتاح كثيراً من مناطق العالم الإسلامي، "سرطان" لا يمكن مواجهته إلا بـ"لغة القوة" بوصفها اللغة الوحيدة التي يفهمها القتلة الإرهابيون.

أما "لغة القوة" هذه فعنوانها، بحسب أوباما أيضًا، "تحالف عريض" يضع نصب عينيه "تفكيك شبكة الموت"، إلا أنه تحالفٌ لا يزال يستثني، عن سابق تصورٍ وتصميم، دولاً محورية في المنطقة، استثناءٌ يحرص الأميركيون على الجزم أنه لن يُخرَق في المدى المنظور، مهما كان الثمن!

من "خلق" الإرهاب؟

في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أبدى الرئيس الأميركي "انفتاحًا" قلّ نظيره. تحدّث عن "تجديد النظام الدولي" وعن "مسؤولية جماعية" يفترض أن يتحمّلها الجميع لمواجهة المشاكل العالمية، تفاديًا للغرق في المزيد والمزيد من انتشار عدم الاستقرار.

لكنّ هذا الانفتاح الأميركي، معطوفًا على الكلام الصريح عن ضرورة تدمير تنظيم ما يُسمّى بـ"داعش"، لم يُترجَم على أرض الواقع، انفتاحًا على الدول التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى هذا الغرض، رغم كلّ ما يقوله الخبراء عن عجز هذا التحالف عن تحقيق أيّ خرقٍ يُذكَر من دون التفاهم معها والاتفاق على خطة مشتركة.

لكنّ لدى الإدارة الأميركية تبريرها الخاص لهذا "الاستثناء". "لا يمكن لتحالفٍ نشأ لمكافحة الإرهاب أن يضمّ خالقي الإرهاب"، يقول مصدر دبلوماسي أميركي في بيروت. برأي هذا المصدر، فإنّ هذه الدول لم ولن تكون جزءًا من هذا التحالف، لأنّ تاريخها حافلٌ بالروايات عن دعمها وتمويلها للتنظيمات الإرهابية، والتوصيف للمصدر.

هو خط أحمر إذًا بالنسبة للإدارة الأميركية، خط لا يتناقض برأيها مع مسار الحوار الذي افتتحته إدارة باراك أوباما مع الجمهورية الإسلامية في إيران على خلفية الملف النووي. "الملفان منفصلان عن بعضهما البعض"، يقول المصدر، قبل أن يردف: "الحوار شيء والتحالف شيءٌ آخر، وهذا مرتبط بالثوابت الأميركية التي لم ولن تتغيّر".

التهمة مردودة؟!

التهمة الأميركية بـ"خلق الإرهاب" للدول المستثناة من التحالف "مردودة إليها". بهذه العبارات، يردّ مصدرٌ سياسي محسوبٌ على المعسكر السوري الإيراني على الكلام الأميركي، واضعًا إياه في سياق "الإخراج لتفادي الإحراج"، على حدّ تعبيره. يشرح هذا المصدر وجهة نظره بالقول أنّ الولايات المتحدة الأميركية باتت اليوم في وضعٍ لا تُحسَد عليه أمام حلفائها وأصدقائها، إذ إنّ خطابها بات متماهيًا لحدّ كبير مع الخطاب السوري الرسمي، بل إنّ مسؤوليها باتوا يردّدون اليوم ما دأب النظام على ترداده منذ سنوات بالحرف الواحد.

وفق هذا المصدر، يكفي أنّ أميركا تنسّق اليوم مع سوريا، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ليبرّر "الإحراج" الذي يعيشه مسؤولوها هذه الأيام. "لنتذكّر كيف أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت تهدّد قبل عامٍ بالتمام والكمال بضربةٍ موجعةٍ للنظام، وهي ضربة لم تحصل بطبيعة الحال، فيما هي اليوم تشنّ ضرباتٍ على الإرهابيين، مع حرصٍ كاملٍ على تحييد مواقع النظام بشكلٍ مطلق"، يقول المصدر، مشدّدًا على أنّ ما تروّجه عن دعم لما يسمّى بـ"المعارضة المعتدلة" لم يعد يجدي، خصوصًا أنّ أميركا تعرف قبل غيرها أنّ ما من وجودٍ لمثل هذه المعارضة، بل إنّ ما تسمّيه بـ"الاعتدال" بات اليوم منخرطًا في صفوف التطرّف حتى العظم.

من ينسّق مع من؟

لا يجد "تباهي" المصدر بـ"التنسيق" الحاصل بين أميركا وسوريا سوى "السخرية" في الجانب الأميركي، باعتبار أنه "عارٍ من الصحة" جملة وتفصيلاً. يشدّد المصدر على أنّ أيّ تنسيقٍ من هذا النوع لم ولن يحصل، لأنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تعترف أصلاً بالنظام السوري حتى تنسّق معه أو تتعاون معه، ولو كان الخطر الذي يتهدّد العالم كلّه مشتركًا. "الإدارة الأميركية تعتبر أصلاً أنّ النظام السوري هو بدوره خطرٌ على الإنسانية"، يقول المصدر، مضيفًا: "لا يمكننا أن نتخيّل ما الذي يمكن أن يحصل في حال بقي (الرئيس السوري) بشار الأسد في السلطة".

وينفي المصدر الأميركي حتى ما رُوّج في الإعلام عن وسيطٍ عراقي تولى إبلاغ الجهات السورية الرسمية بأمر الغارات الأميركية على "داعش"، وما ذهب إليه بعض "المغالين" بحديثهم تارة عن اتصالاتٍ وطورًا عن رسائل مباشرة. "يبدو أنهم يطلقون الأكاذيب ثمّ يصدّقونها بل يرشون عليها البهار"، يقول المصدر ساخرًا، قبل أن يردف: "إذا كان ثمة من أبلغ السوريين بأمر الغارات، فهو فعل ذلك بعد حصولها لا قبل ذلك".

لا فراق بين الحلفاء..

وإذا كان المصدر الأميركي يتحدّث عن "تبايناتٍ" باتت "جلية" في المحور "المستثنى"، فإنّ المصدر المحسوب على الأخير ينفي في المقابل وجود أيّ اختلافٍ أو فراقٍ بين "الحلفاء" إزاء هذا التحالف.

"صحيحٌ أنّ الموقف السوري الرسمي أتى مرحّباً، في حين كانت مواقف أخرى معارضة لعلّ أبرزها موقف حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله"، يقرّ المصدر، لكنه يضيف: "علينا أن نتذكّر أنّ حزب الله هو عبارة عن حركة تحرّر ومقاومة، ولا بدّ أن نفرّق بين موقف مثل هذه الحركات ومواقف الدول". في المبدأ، لا يمكن لحركات التحرّر أن تكون مع أميركا أيًا كانت الدوافع، بل إنّ بعضها ينتظر الموقف الأميركي ليحدّد موقفه في الصف "النقيض"، يوضح المصدر، مذكّراً بكلام للأمين العام لـ"حزب الله" يوم أبدت أميركا "قلقها" من دخوله إلى سوريا، حيث اعتبر أنّ هذا "القلق" هو تأكيدٌ على أنّ الحزب يسير في الطريق السليم.

يشدّد المصدر على أنّ المصالح هي الأساس في سياسة الدول بطبيعة الحال، وبالتالي فإنّ الحلفاء باقون في صفٍ واحدٍ وهم متفقون على الجوهر، وبالتالي فإنّ الاختلاف لا يعدو كونه شكليًا، لأنّ الثوابت هي هي ولا شيء سيغيّرها.

حتى تتحقق الأهداف..

هكذا إذًا، لم يوحّد "سرطان التطرف"، الذي يتفق الجميع على خطورته، اللاعبين الكبار في العالم، بل بقيت خلافاتهم المبدئية تتفوّق على كلّ شيء..

لم يوحّد هذا السرطان الدول التي تعرف أنّها لن تتمكن من فعل شيء ما لم تتفق وتتعاون وتنسّق، ما يطرح علامات استفهامٍ مشروعة حول النوايا الحقيقية لدى هؤلاء "اللاعبين"..

وإذا كانت "الحرب على داعش" مختلفة عن كلّ أنواع الحروب الأخيرة، فإنّ الأكيد أنّ المطلوب بموازاتها أكثر بكثير ممّا هو حاصل، وذلك إذا كان يُراد فعلاً أن تتحقق الأهداف الاستراتيجية الموضوعة لها..