ثمة كلام يدور في البيئة المسيحية يعكس قلقاً كبيراً على الدور المسيحي في لبنان على ما تتداوله أوساط مسيحية من خارج محوري 8 و 14 آذار وهو كلام لا يخلو أيضاً من القلق على المصير في ظل عدم تواجد المسيحيين على خط التطورات الدولية والإقليمية والمتغيرات السياسية التي من الممكن أن تعدل في واقع المنطقة الديموغرافي إستناداً إلى الأعمال العسكرية التي شهدها الإقليم العربي والسني.

وتنطلق هذه الاوساط من قراءة مفادها إن قيادة وأحزاب المسيحيين باجنحتهم يفتقدون الرؤية التي من شأنها أن تبقيهم في صلب التطورات لا أن تكون على حسابهم في ظل المشهد السياسي الحالي على الساحة اللبنانية.

فالطائفة السنية التي يقودها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري بحسب الاوساط يلتقي لا بل هو منخرط بكل مقدراته بالتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب إلى جانب الدول الغربية ودول التعاون الخليجي وكانت له خطوات عملانية أبان عودته الأخيرة إلى لبنان تصب في خانة مواجهة الأرهاب وتحركاته واضحة تندرج في سياق مكافحة التطرف عدا عن اندفاعه الدائم لاحتضان الجيش اللبناني وبذلك وضع الحريري الطائفة السنية على خط تحالف الدولي عربي واسع تقوده السعودية إقليمياً في ضوء مؤشرات بأن خيار هذا التحالف يتجه ولو بعد حين نحو فوز وإنتصار خط الإعتدال الذي يقوده تيار المستقبل.

وفي المقابل تضيف الاوساط، ينضوي التحالف الثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل في محور تحالف الأقليات الذي تقوده إيران الماضية في قضم العواصم العربية على غرار ابتلاعها صنعاء مؤخراً التي يواجه الحوثيون فيها إنتفاضة سنية تشكل محكاً لقدرة جمهورية الثورة على صيانة هذا التحالف على «هضم» هذه العاصمة السنية التي فاخر مسؤولون ايرانيون بأنها رابع عاصمة تمت السيطرة عليها بعد بيروت ودمشق وبغداد وقد يكون هذا التحالف يشهد سقوطا عسكرياً في عدة مناطق على ما تجد الأوساط، إلا أن واقع استعمال القوى الذي يتميز به شكل مظلته أمان حتى حينه للثنائي الشيعي في المعادلة اللبنانية سياسياً وعسكرياً وإدارياً وهو تحالف على تماس مع الغرب لأبعاد عدة قد تظهر الأيام مدى قدرته على النجاح في ظل توسيعه لمشروعه في الإقليم السني والعربي متجاوزاً خصوصيات المنطقة.

وما بين المستقبل والثنائي الشيعي يبرز دور رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط والزعيم الدرزي لطائفة متواضعة العدد والحجم لبنانيا وقد تمكن من أن يكون حاضراً في معادلات المحاور الكبرى وقادتها بحسب الاوساط، فلا يتوقف عن تحركات تجعله عاملاً على مدى الساحة الإقليمية واللبنانية لإيجاد حلول رغم أن أقطاباً ومسؤولين في الطائفتين السنية والشيعية قادرون اذا ما تمكنوا على التواصل في ما بينهم قبل إندلاع شرارة أي إحتكاك وعقد اتفاقات على غرار تشكيل الحكومة الحالية في لحظة غفلة مسيحية لا تزال طويلة.

وفي ظل هذا الواقع تجد هذه الأوساط المسيحية والروحية أن القوى المسيحية غائبة عن تطورات المنطقة وعن التحولات التي قد يشهدها لبنان فباتت أسيرة الإستحقاق الرئاسي وهي عمليا غير ناخبة وواقعيا غير فاعلة ولكن غائبة عن صياغة أي حل أو تسوية ممكن أن تشهدها الساحة اللبنانية. فألقوى السياسية أضحت كلها «عائلية إقطاعية» لا تلامس أوجاع الشعب المسيحي بل تريد إستعماله لتعزيز مصالحها وأهدافها الخاصة وهو ما دفع أحد المطارنة للقول أن بعض الأحزاب المسيحية باتت وكيلاً للقوى الإقليمية ولا تستطيع أن تقدم المصلحة المسيحية على حساب المصلحة الإقليمية. فغياب الرؤية المسيحية هو القلق الذي يسيطر على هذه الأوساط السياسية والروحية التي تجد تناقضاً في قيادة هذه الطائفة كأن تكون الغاية في المشاركة في مؤتمر واشنطن تأمين حماية المسيحيين كطائفة في المنطقة ثم مناداة من دار الإفتاء بضرورة توسيع دائرة التواصل مع القوى الإسلامية للغاية ذاتها بما لقي ذلك من إنتقاد إسلامي خلال هذه الإزدواجية.

وتؤكد الأوساط ذاتها أن القوى المسيحية السياسية أعجز عن قيادة المسيحيين في هكذا ظرف بعد أن بدت مقيدة في قراراتها وخيراتها وتقود حرب الآخرين بأجساد المسيحيين وتقف أمام مشهد تقبل السفير السعودي في لبنان علي عوض عسيري أثر التهاني بعيد الوطني للمملكة وإلى جانبه نواب كتلة الوفاء للمقاومة رغم الخلاف الإقليمي السعودي ـ الإيراني في حين كان مسيحيون لا يزالون يتهجمون على بعضهم هاتفين بذلك تأكيداً على فشلهم في الرؤية بهدف الحفاظ على مكتسباتهم التي تأتيهم من الدول الإقليمية التي أضحت رهينة لها على حساب مصلحة المسيحيين، مستغربة الاوساط غياب القوى والأحزاب المسيحية وحتى الكنيسة عن استحداث مؤسسات لدعم أبناء هذه البيئة تربويا ومساعدتهم على عدم الهجرة بدلا من ان «يشتغلوا بهم» والانصراف نحو التسابق في الولاء والتبعية المكشوفة الى القوى الإقليمية وكذلك المحلية الكبرى التي يدورون في فلكها.