يختار الكتّاب عناوين مقالاتهم وكتبهم ويبدّلون فيها بعد كتابتها قبل الرسو على العنوان الأخير . لكن أن يسبقك العنوان إلى رأس الصفحة قبل المباشرة بالكتابة فمسألة نادرة . فكّرت في التغريد على "التويتر" بعدما قرأت مقالة صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم المنشورة بعنوان: ""داعش" . . . التي وحّدت العالم" . وفكّرت: أكرّر عنوانه وتحته عنواني: المقالة. . .

التي "وحّدت العالم". أو العرب.

لكنّني تردّدت، مع أنّ دبي تجربة جاذبة للعين العالمية بحضورها الجميل ونظامها المتقدّم و............املأوا الفراغ بالصفات الجميلة المناسبة . تردّدت لأسباب . أوّلها العجز بكلمتين عن إيصال حقيقة ما أريد، وثانيها أن يوصمني الكثيرون بالمحاباة اتلذي لا أستسيغه في لحظة يصعب فيها أن يجد كاتب لحبره السريع كرسيّاً في زحمة الكتابة حول "داعش" التي وضعها الشيخ محمد ونضعها مثله بين قوسين كظاهرة تقيم مخاطرها في العيون والألسن وكنموذج للفكر "الخبيث المتشدّد وسريع الانتشار"، وثالثها ألاّ يفهم المقصود من مقالي بتفسيرات ، فعدلت مع أنّني لا أنكر مشاعر الاعتزار عندما أقرأ لقيادي من طراز الشيخ محمد، من وقت لآخر، وفي الصحيفة بل في الزاوية عينها التي أنشر فيها مقالاتي تباعاً .

ولأنّ المقالة لفتتني بإنسانها وزمانها ومكانها.ولأنّها مقالة تجاوزت التوصيف والتهويل الشائعين إلى التفكير الجدّي بحلول تمحورت حول معالجة الإخفاقات التنموية في الشرق الأوسط والدعوة إلى التنمية الشاملة، وتحسين التعليم والصحة، وتوفير البنى التحتية، وتطوير الفرص الاقتصادية، وهي أفكار وحلول طويلة الأمد ومستقاة من تجربة واحدة ومضمونة لمثل هذه التحديات، خصوصاً إذ تعتمد التنمية المستدامة وهي من أكثر الحلول استدامة لمواجهة الإرهاب وبناء الأوطان والشعوب والثقافات. رحت أفكّر بأمرين:

الأوّل أنّ الغرب إختصر النصوص والآراء إلى عناوين سريعة من "الفاكس" إلى "التويتر" ربّما أخذ المسألة عنّا. وعنّا هنا أعني بها النص القرآني الذي أنزل في آياتٍ وصيغ شديدة الاختصار والمعاني ، فمن غير المعقول أو المقبول أنّ تخطف الإسلام "منظمة إرهابية بربرية وحشية، لا تمثل الإسلام، ولا تمثل أيضاً الحد الأدنى من الإنسانية الحقيقية.الأمر الثاني الذي جذبني هو أنّ نشرات الأخبار التي تسنّى لي متابعتها تطرّقت إلى المقالة . ووجدت نفسي في الصباح الباكر وأمامي على صفحة "غوغل" ، 285660 نصاً باللغة العربيّة حول مقالة "داعش . . التي وحّدت العالم" . لم أحتسب، بالطبع، ما نشر حولها باللغات الأخرى في العالم،لغيري أن يفعل ذلك. ناهيك عن اللغات الأخرى التي نقلت نص الشيخ محمد الذي راح يفرض عنواناً له جديداً: "المقالة التي تحوّلت إلى مكتبة ضخمة" .

صحيح أنّ العالم مسكون بهموم الإرهاب ومستثمر فيه إلى درجة تعقد الدول الخناصر لضرب الظاهرة التي تلطّخ العرب، لكن الإرهاب يبدو أحياناً متلفّعاً بثياب استراتيجية لا تشي بعداواتها الجذرية للغرب المتأخّر . وصحيح أنّ الحدود بين الدول قد أسقطت بسهولة وسرعة قياسية، مع أنّها كانت قد تطلّبت لرسمها ولرفعها حربين عالميتين كلّفت البشرية ملايين الضحايا والمآسي والخرائب. فلا يعقل، إذن، أن تسقط الحدود والبشرية مجدّداً بفعل العولمة والإرهاب أو تسحب الخرائط مجدداً، ولا تسقط معها السلطات والشعوب في صراعات كبرى ومن دون كُلف كبرى وهم أدرى بها .

اللافت أن يكتب هذا الحاكم العربي مقالاً واضحاً في زمن جنوح الإرهابيين بالعرب نحو الانحطاط الثاني أو تحقيق الحنين نحو البداوة الأولى وما قبلها أي العصر الوثني في قلب التديّن. واللافت أنّنا نعاصر جميعاً تراجعاً ملموساً حاصلاً لدى معظم السلطات والحكومات التي تخلي الميدان للسلطات الأمنية حيث الخطف والبطش والتفاوض السرّي وصفقات الأسلحة تتقدّم على كلّ تفكير وحيث يفرغ الدين من معانيه السامية ويفرغ الموت والحياة باستسهال من معانيهما الإنسانية الكبرى.

واللافت أكثر أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يذكّر العرب والعالم بالحكمة الإغريقية القائلة: "إنّ الآلهة لا تعاقب البشر إذ تغضب عليهم، وإنّما تسلّط عليهم أنفسهم".

هذا نص للتفكير الجدّي في الذات العربيّة جاهز لكلّ منّا .