تشق ​سلسلة الرتب والرواتب​ اليوم طريقها الي الإقرار بعد مخاض استمر على مدى ثلاث سنوات خضع في خلالها التلامذة لأصعب امتحان كانت نتائجه الإطاحة بالشهادة الرسمية إضافة الى انفلات الأسعار من عقالها في ظل غياب أي حسيب أو رقيب.

وما كان ليؤمَّن الممر الآمن لهذه «السلسلة» لولا التسوية السياسية التي أبرمت بين الكتل النيابية، وهو ما يعني أن المخاض الذي عاشته هذه السلسلة على مدى سنوات لم يكن له علاقة بأرقام ومساواة وما إلى ذلك من حجج بل كان محض سياسي حيث أن غالبية الفرقاء السياسيين تمترسوا وراء «السلسلة» كلٌ لغاية في نفس يعقوب غير آبهين بالأضرار الجسيمة التي نتجت عن هذا الفعل حتى هذه الساعة على أكثر من مستوى.

صحيح أن الأرقام المالية التي تحويها «السلسلة» تدلّ على أن رواتب الموظفين ستتحسّن وترتفع، إلا أن ذلك لم يعد له من فائدة حيث ان هذه الزيادة المفترضة على الراتب قد تآكلت بفعل جشع التجار، والزيادات المضطردة التي طرأت على اسعار كل السلع والمنتوجات وهو ما يعني ان الموظف العادي لن يشعر بالسعادة التي يتوخاها بنتيجة هذه الزيادة بل انه سيصل الى مرحلة يكفر فيها باليوم التي أقرت فيه هذه «السلسلة» التي ستؤدي الى مزيد من التفلت في الاسعار على كافة المستويات.

إن الايجابية التي تسجل للتفاهم السياسي الذي حصل حول «تشريع الضرورة» انه عاد وشرع الابواب التي اوصدت لفترة طويلة امام التشريع في مجلس النواب، واعاد الحيوية الى الساحة السياسية التي قد تساعد على فتح قنوات التواصل والاتصال بين مختلف القوى السياسية لمقاربة العديد من الاستحقاقات والملفات الموضوعة على رف الانتظار، ناهيك عن اعادة تجميل صورة لبنان امام الخارج التي كان يقف على عتبة إلغاء الكثير من الاتفاقيات والقروض بفعل مرور الزمن وهو ما يتم تداركه في جلسة اليوم والجلسات التي ستعقد في التشرينين.

من المؤكد ان مسار النقاش الذي سيحصل تحت قبة البرلمان اليوم حول سلسلة الرتب والرواتب لن يتجاوز السقف العادي وان بعض النواب سيبرع في مسرحية المزايدات من باب الزيادة، على القيمة المضافة والحرص الكبير على الطبقة الفقيرة التي لم يعد لها من وجود الا في قاموس السياسيين لاستخدامها في مفرداتهم الخطابية لا اكثر ولا اقل، وبالتأكيد فإن هذه المزايدات لن تصل الى حد اعاقة مسار ولادة السلسلة التي قد يصوت عليها اكثر من تسعين نائباً وفقاً لخارطة المواقف التي اطلقت في اليومين الماضيين حيث ان كتلة التنمية والتحرير، وكتلة الوفاء للمقاومة وكتلة «المستقبل» وتكتل «القوات اللبنانية»، وتكتل «التغيير والاصلاح» ونائبا الحزب السوري القومي الاجتماعي، والرئيس نجيب ميقاتي، والنائب احمد كرامي، ونواب كتلة «لبنان الحر الموحد»، و«اللقاء الديمقراطي»، وعدد من النواب المستقلين، سيصوتون الى جانب اقرار السلسلة مع رفض البعض منهم لزيادة الضريبة على القيمة المضافة، ومطالبة آخرين ببعض الاستثناءات، وسيكون الغائب الاكبر عن الجلسة نواب حزب الكتائب وعددهم خمسة من منطلق رفضهم العودة الى التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية وهو موقف كان قد اعلنه الرئيس امين الجميل في مؤتمره الصحافي الاخير ويحرص وزير الكتائب سجعان قزي على التذكير به في اي مناسبة او تصريح صحافي.

وبالرغم من كل هذه المناخات التي توحي بأن طريق «السلسلة» باتت مزروعة بالورود والرياحين، فان الاعتراضات التي أطلقت فور الإعلان عن التفاهم السياسي حيالها ربما تُبدّد هذه المناخات أو على الأقل تؤدي إلى تعديلات على بعض الأرقام، أو ربما تعود وتطيح بالسلسلة من الأصل، لا سيما وأن زوّار رئيس مجلس النواب نبيه بري نقلوا عنه ليل أمس قوله انه إذا بقيت الاعتراضات موجودة ربما ألجأ إلى سحب المشروع وأعيده الى اللجان النيابية رغم التفاهم النيابي عليه، كاشفاً عن انه وصلته اعتراضات على السلسلة من بعض هيئة التنسيق، والأسلاك العسكرية، وانه وصلته رسالة من رابطة التعليم الثانوي تعترض على إعطاء ست درجات للتعليم الابتدائي اسوة بهم، وقال: أنا افهم بأن يعترض أحدهم على ما يطالب به، لكن ان يعترض على ما يُقرر لسواه فهذا يعود تقديره للدولة.

وإذا كان كلام رئيس المجلس من باب التحذير والحث على التفاهم، فان ذلك لا يُلغي حصول مفاجآت خلال مجريات الجلسة من باب التوظيف السياسي والشعبوي من شأنها أن تفرض بعض المتغيّرات على مضمون هذه السلسلة.

ووفق مصادر نيابية فان اتصالات مكثفة جرت ليل أمس بهدف إزاحة الاعتراضات على السلسلة وتليين المواقف من زيادة الـT.V.A، غير انها لم تصل إلى الخواتيم المرجوة، وهي لذلك ستتواصل حتى الثانية الأخيرة من موعد بدء الجلسة لعل وعسى تؤدي المفاوضات إلى حلحلة تجعل ولادة السلسلة سهلة.

وفي رأي هذه المصادر التي تنحاز على حدّ قولها إلى جانب الفئات الشعبية، أن مشروع السلسلة قد افرغ من مضمونه، وبالتالي لم يعد للزيادة التي ستعطى أي فائدة في ظل ارتفاع الأقساط المدرسية والاسعار، معتبرة أن التفاهم الذي حصل حول هذا الملف تمّ بصورة عشوائية من باب السعي إلى إزاحة هذ الحمل الثقيل عن كاهل النواب أولاً، وثانياً في محاولة لبعث الروح مجدداً في العمل التشريعي في ظل هذا الفراغ الذي يعصف بمؤسسات الدولة والشلل الذي يطبع عمل هذه المؤسسات على مستوى العمل اليومي.

وتعتبر المصادر أن إقرار السلسلة بعد ثلاث سنوات من الأخذ والرد والاعتصامات والاضرابات والتجاذبات السياسية بهذا الشكل لا يعدو كونه تربيح جميلة للموظفين من جيوبهم حيث أن ما سيعطى باليمنى أخذ منذ مُـدّة طويلة بالشمال، وبذلك لن يكون لهذه الزيادات أي معنى أو تأثير على الوضع المعيشي للذين سيستفيدون منها، حيث أن غالبية المستفيدين سيصلون إلى اليوم الذي يقولون فيه «يا ريتها لم تكن».