تحدّث دبلوماسي غربي عن خريطة جيوسياسية جديدة بدأت تبصر النور في العالمين العربي والاسلامي من المرجّح أن تولد قيصريًا في غضون الأشهر القليلة المقبلة. فالضربات الجوية التي ينفذها الائتلاف ضد "داعش" ترسم حدود الدولة الاسلامية بالنار من دون أن يعني ذلك أنّ تداعيات الاعلان الرسمي عن هذه الدولة لن تطاول دول الجوار وسائر الانظمة في مشهد مكرر لافغانستان قبل الاجتياح الاميركي لها في أعقاب عملية الحادي عشر من أيلول، حيث كانت طالبان هي الحاكم الآمر الناهي في ظلّ اتساع رقعة النفوذ الاسلامي المتطرف الذي شكل حينها المفارقة التي دعت الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها ومكاتب الدراسات الاستراتيجية داخل إدارتها إلى اتخاذ القرار الحاسم بضرورة حصر هذا التطرف ضمن إطار دولة تستقطب قادة الارهاب حول العالم وتؤسس إلى إشعال فتيل حرب إسلامية إسلامية تمتدّ لسنوات طويلة وتتخللها متغيّرات جيوسياسية تعيد رسم خريطة نفوذ دولية جديدة تقوم على قاعدة استثمار الثروات الطبيعية والاستفادة منها الى اقصى الحدود.

وكشف الدبلوماسي أنّ الخريطة المفترضة لحدود الدولة الاسلامية ستشمل الانبار العراقية والرقة السورية على أن تشكل تماسا مع الكيان الكردي والدول العربية والخليجية برمتها بدءا من سوريا مرورا بالاردن وتركيا لتحقيق جملة أهداف أولها إضعاف الدولة السورية وتحويلها إلى كيان عاجز عن استعادة دوره في قيادة العالم العربي ضد الدولة العبرية ويتلهى في الدفاع عن وجوده واستمراريته كما هي الحال راهنا وثانيها الضغط على تركيا لعدم تغريدها خارج السرب الدولي تحت طائلة تحريك حدودها من جهة والاستمرار بدعم الاكراد وجعلهم قادرين على استيلاد كيان مستقل يتمتع بأكثر من حكم ذاتي وإن كان أقلّ من دولة، فيما يبقى الأردن الواقع على تماس مباشر مع اسرائيل والضفة عاجزًا عن تصدير أزماته المتمثلة منذ عقود بعلاقاته الاستراتيجية مع الفلسطينيين ودولتهم.

وبالانتقال إلى الخريطة السورية، استبعد الدبلوماسي إسقاط النظام كما استبعد عودة سوريا الى ما كانت عليه قبل اندلاع الاحداث فيها. فحجم الدمار والمجازر المتبادلة لم تعد تسمح بأيّ شكل من أشكال الانتظام في حكومة جامعة تعيد توحيد البلاد ارضا وشعبا في ظل استعار الموجات الطائفية والمذهبية واستمرار الانقسام العامودي في مقابل عدم قدرة اي من الافرقاء على حسم المعركة العسكرية لمصلحته، فلا النظام قادر على انهاء الحرب ولا التنظيمات الارهابية التي عادت لتتوحد بعد أن جمعتها المصيبة باستطاعتها الحسم فضلا عن اعتبارات دولية على غرار انتشار الاسطول الروسي على الساحل السوري تمنع من استخدام المزيد من الضغط لتحقيق انجازات عسكرية تعيد خلط الاوراق وتخرق الموازين او الستاتيكو المتفق عليه دوليا واقليميا.

كذلك لم يستبعد أن تشهد المملكة العربية السعودية المزيد من التحركات الصاخبة على حدودها ما قد ينقل النيران الاقليمية والداعشية المشتعلة الى اراضيها في ظل تقاطعات سياسية وعقائدية اضافة الى خصوصية دينية تتعلق بقيادة العالم الاسلامي، ناهيك عن الموقف الايراني الداعم لغالبية التنظيمات والدول التي هي على خصومة سياسية وعقائدية مع المملكة التي تترنح بعد تعاطفها مع "داعش" ومن ثم تمويل الحرب الاميركية على الارهاب في مشهد يؤسس إلى إعادة الدورة الاقتصادية الاميركية الى ما كانت عليه قبل الحرب على العراق بعد ان عادت موازنات صناعات الاسلحة الى الارتفاع المجنون في ظل طلب مستمر وكبير على منتجاتها الحربية.

غير أنّ ذلك لا يعني على الاطلاق استبعاد الخطر نفسه عن لبنان بالرغم من الجهود الدولية لابقائه ضمن دائرة التوتر المضبوط والمحكوم بعوامل سياسية وأمنية تتعلق بانتشار الخلايا على الأراضي اللبنانية بشكل غير مسبوق، كما تتعلق باعادة رسم المشهد الاقليمي لا سيما أنّ لبنان يقع جغرافيًا على ساحل استراتيجي يتعلق بضمان أمن النفط ومعابره ما يعني أنه موضوع تحت المجهر الدولي بانتظار ما ستحمله الأسابيع القليلة المقبلة من تحولات تأتي سريعة ومفاجئة تدفع باتجاهات مختلفة.