منذ منتصف شهر أيلول تقوم طائرات التحالف الدولي ضد الإرهاب بقصف مواقع "داعش" و"النصرة" في كل من سورية والعراق، في ظل موافقة علنية من الحكومة العراقية، وقبول مُضمر من قبل الدولة السورية.

بالمبدأ، واستناداً إلى القانون الدولي، يقابل قانونية الضربات العسكرية في العراق، لا قانونية الضربات العسكرية على الأراضي السورية، باعتبار أن الدول السيدة هي من تمنح الغطاء القانوني لأي تدخُّل عسكري على أراضيها، أما الشرعية التي يكتسبها ذاك التدخل العسكري على الصعيد الدولي، فهي تُمنح له من قبل قرارات مجلس الأمن حصراً.

وفي تحليل قانونية وشرعية الضربات العسكرية الجوية على الأراضي السورية، نجد أن الغطاء القانوني للضربات الجوية لم يكن واضحاً، وإن كانت الدولة السورية قد اعتمدت مبدأ "السكوت علامة الرضى"، وأعلنت أنها أُعلمت بالضربات قبل حصولها، فالإعلام شيء، وأخذ الموافقة المسبقة شيء آخر.

أما بالنسبة إلى الشرعية الدولية، فالضربات العسكرية - بحسب القانون الدولي - هي غير شرعية، ولو تمّت الإشارة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنها حصلت بموجب القرار 2170، لكن القرار لم ينصّ على تلقائية الخيار العسكري في تطبيق مكافحة الإرهاب، بل اشترط الرجوع إلى مجلس الأمن لأخذ الموافقة على هذا الخيار وتحديد آلياته.

وهنا، كان التباين العلني في المواقف من الضربات الجوية لطائرات التحالف في سورية بين كل من دمشق وحلفائها الإيرانيين والروس، فبينما أعلن الروس عدم قانونية ولا شرعية التدخُّل العسكري، وطالبوا بالعودة إلى مجلس الأمن، "باركت" سورية الضربات ولو بشكل غامض، وأعلنت استعدادها للتعاون. وفي تحليل لهذا التناقض قد نجد ما يلي:

أولاً: أكسب السوريون الضربات الجوية على "داعش" ضمن أراضيهم نوعاً من الغطاء القانوني المضمر، بإعلانهم أن الاميركيين أعلموهم بالضربات، ولكنهم لم يعلنوا موافقتهم العلنية، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الدولة السورية صاحبة السيادة تريد أن تتخلص من الخطر الإرهابي على أرضها، وترحّب بالمساعدة الدولية في ذلك، لكنها في الوقت نفسه تخشى من أن تمنح التدخل العسكري في أرضها غطاء قانونياً قد يرتد عليها فيما بعد؛ فيما لو قام الاميركيون بخديعة وقصفوا مواقع الجيش السوري.

ثانياً: تحاول الدولة السورية أن تُظهر نفسها ملتزمة بالقرارات الدولية حول الإرهاب، تحديداً القرار 2170، الذي يمنع الدول من أن تقدم دعماً، بأي شكل من الأشكال، للتنظيمات الإرهابية، خصوصاً "الدولة الاسلامية - داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، وبسبب القدرة الإعلامية الفائقة القدرة، كان يمكن للأميركيين وحلفائهم أن يُظهروا للرأي العام العالمي أن الدولة السورية تمنع محاربة الإرهاب والقضاء عليه، ولا تمتثل للقرارات الدولية فيما لو رفض السوريون توجيه ضربات لـ"داعش" و"النصرة" على أرضهم، وكانت المعارضة السورية ستتحدث عن صحة ما كانت قد أعلنته من أن "داعش هي صنيعة النظام السوري"، لذلك لا يريد القضاء عليها، بذريعة السيادة.

ثالثاً: يسعى السوريون إلى تظهير مقولة مفادها أن "ما كانت الدولة السورية تحذّر منه وتسعى إليه، وما كانت تعتبره أولوية في مؤتمر جنيف، قد أثبتت صحته، وها هو العالم يعتبر مكافحة الإرهاب أولوية على تشكيل الحكومة الانتقالية في سورية".

من هنا، فإن السوريون يعتبرون أنه لا يمكنهم التخلّي عن محاربة الإرهاب على أرضهم، بعدما اقتنع العالم بمنطقهم وصحة توصيفهم لما يجري على أرضهم.

رابعاً: بسبب عدم الثقة بالنوايا المبيَّتة للأميركيين، ولأنهم كانوا قد أعلنوا مسبقاً أنهم ما زالوا مستمرين بمحاولة إسقاط الأسد، يبدو أن تباين المواقف بين السوريين وحلفائهم هو نوع من توزيع الأدوار، فالروس والإيرانيون يرسمون خطوطاً حمر لأي محاولة لتوسيع التدخُّل العسكري ليشمل مقرات الدولة السورية وجيشها، بينما يحاول السوريون دخول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب من البوابة الخلفية، فيمهّدون الطريق أمام أي تغيير في المواقف الأميركية، وملاقاتهم في منتصف الطريق في حال قرروا التخلي عن المجموعات السورية المسلحة، والاعتماد على الجيش السوري في فرض الاستقرار في سورية، وهكذا يكون النظام قد حفظ نفسه، وأعاد تظهير نفسه "عامل استقرار" في المنطقة لا بديل عنه لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه.