منذ لحظة إعلان أن سلسلة الرتب والرواتب إستوت وأنَّ إقرارها في مجلس النواب قد أصبح واقعاً، سارع عددٌ كبير من النواب إلى الإتصال بخبراء إقتصاديين ليفهموا منهم ما تمَّ التوصل إليه، باعتبار أنَّ هؤلاء النواب ليسوا ضليعين في الشؤون المالية وعلم الحساب ولا بعلم المحاسبة، بل إنَّ معظمهم يرفع أصبعه تصويتاً بحسب ما يملي عليه رئيس كتلته.

وعلى غرار النواب، هناك الكثير من اللبنانيين العاديين لم يفهموا ما حصل، وكلُّ ما استطاعوا استيعابه هو أنَّ زيادةً ستُعطى على الرواتب... لكن كيف؟

ومن أين ستموَّل هذه السلسلة، فهُم لا يعرفون هذه الأحاجي وهذه الألغاز.

***

إنَّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب ليس أول التشريع ولن يكون آخره، إنَّه باكورة التشريع الذي سينتهي بإقرار التمديد لمجلس النواب، وجلسة إقرار السلسلة ستكون ضرباً من ضروب الذكاء السياسي وليس ضرباً من ضروب الذكاء الإقتصادي، فمجلس النواب سيحمل العصا من وسطها بمعنى أنَّه سيقول لهيئة التنسيق النقابية:

هذا كلُّ ما استطعت تحصيله لكم في ظلِّ اعتراض الهيئات الإقتصادية، كما أنَّه سيقول للهيئات الإقتصادية:

هذا كلُّ ما استطعتُ توفيره لكم، لأنَّ هيئة التنسيق كانت تطالب بالمزيد والمجلس لم يوافق على الإطلاق.

بهذا المعنى كانت هناك اعتراضات من بعض القطاعات على تجزئة التشريع وأبرز ما سُجِّل في هذا المجال، أنَّ المعلمين في المدارس الرسمية عبَّروا عن إكتفائهم بالمكتسبات التي حصلوا عليها، أما معلمو القطاع الخاص فقد عبَّروا عن امتعاضهم من عدم شمولهم بالدرجات الست.

***

لم تقف القضية عند هذا الحد، فالهيئات الإقتصادية أعلنت الإستنفار ودقَّت ناقوس الخطر وأعادت التذكير بموقفها الذي زادت عليه أنَّ ما جرى على مستوى سلسلة الرتب والرواتب ليس هو سوى التضحية بالإقتصاد عشية عيد الأضحى، مُحذِّرةً بأنَّ الأعباء سيكون من شأنها أن توصِل البلاد إلى كارثةٍ مالية وإقتصادية وإجتماعية لم تأخذها القوى السياسية، على ما يبدو، في الإعتبار.

الهيئات، أجرت قراءةً للأرقام فاعتبرت أنَّها تعاني خللاً كبيراً ولا تحقق التوازن بين النفقات والواردات على الإطلاق.

السؤال هنا:

لقد تجرأت الهيئات الإقتصادية على الكلام، ولكن ماذا بعد؟

وما هي خطوتها اللاحقة لوقف هذا النزف وهذا التدهور؟

هي اعتبرت أنَّ الإصلاحات الطفيفة التي يلحظها المشروع والتي تراهن القوى السياسية على أنها ستؤدي إلى تحسين الواقع المالي للدولة، ما هي إلا أوهام في ظل الواقع المهترئ في إدارات الدولة.

هل يُفهَم مما تقدَّم أن الإصلاح سراب؟

إذا كان الأمر كذلك فإنَّ هذا يعني أنَّ مجلس النواب يكون قد خطا خطوةً محفوفةً بالمخاطر، وخطورتها أنَّها خطوةٌ غير مرتدّة، بمعنى أنَّ لا عودة إلى الوراء لتصحيحها. والخطر الأكبر متأتٍّ من اعتباريَن:

الأول أنَّ الموارد النظرية قد لا تكون محل ترجمة بسبب الأوضاع الراهنة.

والثاني أنَّ المستحقات على الدولة اللبنانية في السنة المقبلة هي إستحقاقات باهظة فمن أين ستوفرها؟

عسى كلّ الخير.