من جديد، فجّر رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ قنبلة من الطراز الرفيع، رافضًا الاعتراف بـ"مقولة" أنّ "​جبهة النصرة​" إرهابية، واضعًا إياها في خانة "المعارضة السورية"، التي اعتبر أنّ "داعش" نفسها جزء لا يمكن استبعاده منها..

ولأنّ "قنبلة" جنبلاط أتت مدوية وصادمة لكثيرين، خصوصًا ممّن تفاءلوا خيرًا بمواقفه الأخيرة، فإنّ الأسئلة التي أثارتها كانت أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى. أيّ رسالةٍ أراد إيصالها من خلال هذه المواقف؟ هل هو تمايزٌ جديدٌ وانعطافة آن أوانها؟ وكيف يمكن صرفها في السياسة؟

"اعتدال" برتبة "الذبح"!

صحيح أنّ وليد جنبلاط ليس السياسي الأول في لبنان والخارج الذي يميّز بين "جبهة النصرة" و"داعش"، وصحيحٌ أنّ كثيرين قبله اعتبروا أنّ "النصرة"، بخلاف "داعش"، تمثل الجانب "المعتدل" في المعارضة السورية. ولكنّ الصحيح أيضًا أنّ كلّ هذه المواقف سابقة للتطورات الخطيرة التي شهدتها الساحة الداخلية اللبنانية على وجه الخصوص، والتي كانت بطلتها "جبهة النصرة" بكلّ وضوح وصراحة.

"إذا كان جنبلاط يبرّر ممارسات الجبهة في الداخل السوري نظراً لموقفه المعروف من النظام السوري الذي يقول أنه يقتل شعبه، وإذا كان جنبلاط لا يزال في الصف المعادي للرئيس بشار الأسد ولا يرى حلاً في سوريا سوى بإبعاده، فما الذي يقوله عن ممارسات هذه الجبهة بحق جنود ​الجيش اللبناني​ الأبطال؟" تسأل مصادر سياسية متابعة، قبل أن تردف: "أليست الجبهة من خطفت عددًا من جنود الجيش وأعدمت أحدهم بكلّ برودة أعصاب مؤخرًا، رميًا بالرصاص؟ وأليست الجبهة من يوجّه التهديدات يمينًا وشمالاً ضدّ لبنان وجيشه وقواه؟"

جنبلاط يردّ على جنبلاط

وفيما تدعو المصادر "البيك" لتوضيح مفهومه لـ"الإرهاب" بشكلٍ لا يحتمل اللبس، تتساءل عمّا إذا كان يرى "الإرهاب" بالذبح على طريقة "قطع الرؤوس" الذي تمارسه "داعش" في حين أنّ "الرمي بالرصاص" هو عملٌ إنساني بحت.

وتعتبر المصادر نفسها أنّ الشخص الأصلح للردّ على جنبلاط هو وليد جنبلاط نفسه، وتسترجع في هذا الإطار مواقف أطلقها "البيك" مؤخرًا، من مقولته الشهيرة الرافضة للقول أنّ "داعش" ما كانت لتأتي إلى لبنان لولا تدخل "حزب الله" في سوريا، وما تبعها من مواقف مندّدة بممارسات الإرهابيين ضدّ الجيش اللبناني بعيد معركة عرسال، وغيرها من المواقف التي جعلت بعض "المزايدين" يتوقعون أن ينقل جنبلاط من ضفة إلى أخرى، بل يرونه على أرض الشام جنبًا إلى جنب الرئيس السوري.

جنبلاط خائف..

ومع ذلك، فإنّ المصادر تجد "تبريرًا" لكلام جنبلاط، وهو القارئ الجيد دومًا للمتغيّرات في المنطقة، تبريرٌ تختصره كلمة واحدة. "جنبلاط خائف"، تقول المصادر، موضحة أنّ منابع هذا الخوف أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى. وتشير في هذا الإطار إلى مخاوف أساسية لدى "البيك" على خلفية ملف العسكريين المختطفين لدى الجبهة، وما يمكن أن يحصل في حال تمّت تصفية المزيد من الجنود، وهو الذي لا يستطيع أن يضمن ردّة الفعل في البيئة الدرزية على وجه الخصوص في حال تمّت تصفية أحد العسكريين الدروز.

وبرأي المصادر، فإنّ هذه المخاوف هي التي دفعت جنبلاط في وقتٍ سابق إلى المطالبة جهاراً بـ"المقايضة" من خلال الوزير وائل أبو فاعور الناشط في هذا الاتجاه، وهو الذي زار أهالي العسكريين المخطوفين أكثر من مرّة في أماكن اعتصامهم ورفع لواء هذا المطلب، علمًا أنّ "البيك" نفسه كان يرفض هذا الاتجاه في الأيام الأولى للاختطاف، نظرًا لتداعياته على هيبة الدولة، وكان يكتفي بالمطالبة بتسريع محاكمات الإسلاميين الموقوفين في سجن رومية، وبالتالي فإنّ هذه المخاوف هي نفسها التي تدفعه لاتخاذ المواقف التي يتخذها اليوم، كما أنّ توصيفه للتحالف الدولي ضدّ "داعش" بـ"الكذبة الكبيرة" مؤخرًا يصبّ أيضًا في هذا الاتجاه، بعدما لم يلمس أيّ جدية من جانب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في مكافحة الإرهاب عملياً.

الإرهاب واحد..

رغم كلّ ما قيل ويُقال وسيُقال، يبقى "الإرهاب" سمة مشتركة بين كلّ المجموعات التكفيرية، أيًا كان أسلوبها المعتمد، وبغضّ النظر عن مسمّاها..

ولعلّ ما يفترض على الجميع أن يدركوه هو أنّ أيّ معتدٍ على الجيش اللبناني هو إرهابيٌ شاء من شاء وأبى من أبى، وسواء كان اعتداؤه بصورة بدائية أو ما يسمّيها البعض معتدلة أو وحشية تصل لحدّ قطع الرؤوس ونحر الرقاب.

وبعيدًا عن الرسائل السياسية والهواجس الطائفية والمذهبية، قد يكون من الضروري أن يتفق اللبنانيون قبل كلّ شيء على مفهوم الإرهاب، حتى لا يغرّد أحدٌ خارج السرب الوطني الحقيقي الذي لا يحتمل أيّ تأويل من أيّ شكل كان، تأويل هو أقرب للخيانة العظمى عندما يتعلق الأمر بثوابت كتلك التي تمثلها المؤسسة العسكرية، مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء..