لا يؤشر الهدوء الذي تمر به الساحة اللبنانية لأي تقدم في العلاقة بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"، على عكس ما يروّج له البعض، وبغضّ النظر عن الجهود التي تحاول شخصيات لبنانية وازنة القيام بها على هذا الصعيد، ما سيؤدي إلى تعقيد الحوار حول أكثر من ملف، لا سيما على صعيد الإنتخابات الرئاسية.

حتى اليوم، لم يقتنع رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ بأهمية العلاقة مع الحزب، في هذه المرحلة، على الرغم من إعلانه، في أكثر من مناسبة، رغبته في محاربة "داعش"، فهذا الموقف لا يعني أن "الشيخ" بات يعتبر سلاح الحزب ضرورة في هذا المجال، ولا أن تواجده في سوريا ساهم في حماية القرى والبلدات الحدودية، بل على العكس من ذلك كلياً، هو يريد الإستفادة من الحرب على الإرهاب من أجل وضع السلاح على طاولة المفاوضات من جديد، لكن هذه المرة من ضمن إستراتيجية شاملة تجتاح المنطقة.

تعرب مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، في حديث لـ"النشرة"، عن هواجسها من مواقف الحريري الملتبسة، وتستغرب كيف أن رئيس الحكومة السابق يريد محاربة "داعش" والحزب في الوقت عينه، في حين باتت بعض القوى الإقليمية والدولية تعترف صراحة بأهمية دور الحزب في مكافحة الإرهاب، وتشير إلى أن بعض الشخصيات الدبلوماسية الأوروبية تؤكد هذا الأمر، لا بل ترى أن ما يقوم به يصب في خانة حماية أمنها القومي.

من وجهة نظر هذه المصادر، "الشيخ" يريد محاربة الإرهاب على نهج الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، فالأخير يراقب تقدم "داعش" على حدوده في المعارك التي يخوضها ضد الأكراد في كوباني، ويعلن صراحة أنه يريد محاربة التنظيم، لكنه يفضّل الإنتظار بعض الوقت من أجل ضرب عصفورين بحجر، من خلال إفساح المجال أمام "داعش" من أجل القضاء على الحلم الكردي قبل الإنقضاض عليه بعد ذلك، فهو يدرك بأن هناك تحالفاً دولياً سيساعده في هذا المجال، لكنه لن يجد الكثير من الحلفاء في حال أعلن صراحة عن أهدافه السورية.

إنطلاقاً من ذلك، توضح المصادر أنّ الحريري لا يزال حتى الساعة يرى أنّ المشكلة الأساسية متمثلة بسلاح "حزب الله"، وبالتالي هو يعتبر أنّ من الممكن الإستفادة من الحرب على الإرهاب من أجل إعادة طرح هذا الموضوع بقوة، والمعادلة معلنة: "هذا السلاح إستدعى التطرف إلى الساحة اللبنانية"، ومن أجل ذلك يرفض أن يكون له أي دور في حماية الحدود مع سوريا.

هدف تيار "المستقبل" الأساسي، بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار، ليس محاربة الإرهاب، بل الإستمرار في المشروع الذي يستهدف محور المقاومة بطريقة أخرى، وهذا الأمر يبرّر الإلتباس في مواقفه، ويشرح الأسباب التي تدفعه إلى الإيعاز لممثليه في الحكومة برفض الهبة الإيرانية المقدمة إلى المؤسسة العسكرية، وهي من أجل ذلك ترفض الحديث عن نظرية "التطرف السني مقابل التطرف الشيعي".

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر قوى الثامن من آذار أن إلتزام فريقها السياسي الصمت في بعض الأحيان لا يعني عدم إدراكه الحقيقة، إلا أنها فعلياً غير مبالية بما يطلقه رئيس الحكومة السابق من مواقف، فالجميع بات يعلم أن المعادلة أصبحت أكبر من لبنان، وبالتالي هو لا يستطيع أن يقرر في هذا المجال، بل يتولى فقط نقل وجهة النظر السعودية المعروفة، فمنذ ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، في تموز من العام 2006، بات "المشروع المعادي" يعتبر القضاء على سلاح الحزب أولوية، لكن الأمور اليوم تختلف كلياً.

في المحصلة، تشبّه المصادر رغبة الحريري في محاربة "داعش"، بمواقف التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتعتبر أن "حلم" إسقاط النظام السوري لم ينته بعد، واليوم هناك سعي إلى تقويض سلطته بأي طريقة، ومن المبكر جداً الحديث عن أي تسوية في المنطقة.