تتغير العبارات وتتبدل المواقف، لكن الجرأة والصراحة لا تتبدلان لدى النائب وليد جنبلاط على قول مصادر درزية، وهما في كثير من الأوقات، تدفعانه لتجاوز الخطوط الحمراء، ووضعه في دائرة الخطر الشديد. لذلك لا يجد حرجاً مع محاوره عندما يقول: انا خائف. لكن رغم ذلك يصر على إيصال رسائله إلى الوجهة المقصودة غير مبال بأي مضاعفات سياسية كانت أم أمنية. فالزعيم الدرزي يعمل ليل نهار بالسياسة، لا يمل ولا يتعب ولا يهدأ، وهو لا يعرف اي وظيفة اخرى، تضيف المصادر، لذلك برع في ممارستها إلى حدود انه لا يقبل أي فشل في مسيرته. إضافة إلى الارث السياسي الذي حمله من والده، داهمته المصاعب والحروب. وباتت طائفته والبيت السياسي التاريخي في المختارة في مهب الإلغاء والتهجير اذا لم يحسن القراءة. وجنبلاط الذي يعاني مع المتشددين من أبناء طائفته الذين رفضوا في حاصبيا مثلاً دعوته للرجوع إلى الدين الاسلامي، فاعتبر الحاضرون أن كلمة رجوع هي لمن أخطأ. اذاً جنبلاط الذي يعاني مع أبناء طائفته الموزعين على المعارضة وعلى النظام في سوريا، شاهد بأم العين ماذا حل بالايزيديين. كما أن القوى المسيحية الفاعلة في المجتمع الدولي لم تنجح في الدفاع عن مسيحيي العراق.

وليد جنبلاط أدرك من خلال قراءاته والاتصالات أن القادم أعظم، تقول المصادر، وهو على يقين بأن التحالف الدولي لم يأت إلا لتنفيذ أجندته، فإذا وجد هذا التحالف ضرورة لبقاء «داعش» عندها لن يحرك الغارات الجوية ضده، وهنا يستعيد بذاكرته القذائف التي أطلقتها البارجة «نيو جرسي» ايام حرب الجبل المشؤومة، فما أشبه الأمس بالحاضر كما ينقل عنه أحد الحاضرين في الحلقات الضيقة. ويضيف أن وليد بك خائف طبعاً، لكنه يجرؤ، فـ«داعش» هي من نتاج الفراغ و«النصرة» ليست إرهابية طالما أن عند تغيير الدول أحفظ رأسك، ووظيفة وليد جنبلاط هي الحفاظ على طائفته والبيت السياسي في المختارة.

مصادر مقربة من جنبلاط تختصر مواقفه فيما يتعلق بالاوضاع في سوريا على اعتماد الواقعية السياسية، لان هناك معطيات على ارض الواقع تفرض نفسها سواء كان المرء يرتاح الى هذه المعطيات او لا، لذا يجب الاعتراف بالوقائع الجديدة على الارض، فكما تناول جنبلاط «جبهة النصرة» تناول بالواقعية نفسها موضوع «حزب الله»، واكد ان الامر لا يمكن تناوله بشعبوية، بسبب المعطيات الموضوعية المرتبطة بسوريا، وقد حصرها بموضوع التوافق الايراني - السعودي لمعالجة هذا الدور، وهو على الضفة الاخرى تعاطى بواقعية مع المعطيات الجديدة، لان التعامل من خلال الشتائم والتهجمات لا يؤدي الى بناء خطة مستقبلية تستطيع تحييد لبنان والدفاع عنه.

وأشارت المصادر الى ان هناك معطيات موجودة على الارض ومنها وجود «جبهة النصرة» التي لم يقل انه متفق معها، لكنه اكد على ضرورة الاعتراف بالعوامل الجديدة على الساحة السورية، وعلينا الاعتياد على الصورة الجديدة التي ليست كما كانت بأذهاننا بأن هناك نظاماً واحداً وموحداً، لان هذه الصورة اصبحت من الماضي، وكذلك الامر بالنسبة لفريق 14 آذار الذين عليهم ان يعتادوا على ان المعارضة السورية ليست فقط «الجيش السوري الحر» و«الائتلاف الوطني»، بل هناك قوى استجدت وفرضت نفسها، شئنا ام ابينا، على ساحة الواقع، واذا كنا سننظر الى هذه المعطيات الجديدة انها موجهة ضدنا وعلينا حفر الخنادق لمواجهتها نكون كمن «يأتي بالدب الى كرمه».

ولفتت المصادر الى ان البعض اعتبر حديث جنبلاط بجزء كبير منه كان بـ«اللغة الدرزية» لان هناك مشكلة درزية يجب حلها، فهذا غير صحيح، بل مشكلة في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة برمتها، وبالطبع يهمه تجنيب الدروز خصوصاً الذين لديهم حماسة ليست بمكانها قد تؤدي الى تفاعلات تخرج عن السيطرة، ولكن الاهم هو تحييد لبنان، لان هذه الفسيفساء معرضة للخطر، والاطراف الذين يستهدفون الوحدة اللبنانية والاستقرار على الساحة الداخلية، حاولوا الاستفادة من موضوع العسكريين المخططفين للدخول وايجاد فتنة من خلاله على الساحة اللبنانية وتعطيل مسار الدولة، ومن هنا فان جنبلاط تناول الموضوع بواقعية حين ذكّر بما قام به الاميركيون حين عقدوا صفقة من اجل جندي واحد بوساطة قطرية مع حركة «طالبان» لتخليصه. لذا فان الدولة اللبنانية مطالبة ببذل كل الجهود لتخليص هؤلاء من براثن الخاطفين، خصوصاً ان العسكريين كانوا يحمون النازحين السوريين ويؤمنون لهم الطبابة والطعام وهذا عمل ارهابي.

وشددت المصادر على عدم وجود صفقة بين وليد بيك و«جبهة النصرة»، وهو دعا الى التعامل معهم بواقعية، لانه لا يمكن التغاضي عن هذه المعطيات وكأن شيئاً لم يحصل.