كان يفترض ان يفتح اللقاء الاخير الذي جمع وزيري خارجية ايران محمد ظريف وسعود الفيصل في نيويورك، كوة إيجابية في مسار العلاقات بين الدولتين اللدودتين في المصالح والنفوذ. ويعكس ارتفاع نبرة التصعيد السعودية على لسان الفيصل ان هذه الكوة لم تكن الا بالون اختبار لقياس "ارتفاع ضغط الدم" بين الدولتين في العراق واليمن وسورية والحدود اللبنانية - السورية وطرابلس وكل الشمال اللبناني. ورغم ان الرد الايراني على الهجوم السعودي اتى هادئاً بنبرات دبلوماسية تحذيرية مبطنة الا ان العنان السعودي اطلق لرئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري للتصعيد ضد "حزب الله" واستعادة نغمة تدخل "حزب الله" في سورية و"تنفيذ اجندات ايرانية ومغامرات غير محسوبة" في مزارع شبعا. وأوعز الحريري ايضاً الى نوابه وباقي حلفائه في تجمع 14 آذار للعزف السياسي على النغمة نفسها علّ وعسى يضيق صدر "حزب الله" بهذه النغمات ويخرج عن طوره وتستعيد الساحة السياسية حماوتها التي يحتاجها فريق 14 آذار وتيار "المستقبل" خصوصاً، على اكثر من صعيد ولا سيما تظهير التمديد وتسويق مرشح "تسووي" يستبعد العماد ميشال عون عن سباق الرئاسة ويشد في نهاية المطاف من ازر جمهوره التائه بين حرب الولايات المتحدة على "داعش" وبين التعاطف "الشعبي" الذي يعبر عنه الغلاة في "المستقبل" مع "النصرة"و"داعش".

التحذير الاستباقي لرئيس الحكومة تمام سلام بعدم تهريب اي التزام لبناني للاميركيين في حربهم على داعش عبر قائد الجيش جان قهوجي والذي عبرت عنه احزاب 8 آذار بعد إجتماعها امس الاول، يؤكد ان مروحة التفاهم بين تيار "المستقبل" و"حزب الله" في الملفات الداخلية وخصوصاً في القضايا الاستراتيجية باتت ضيقة الى درجة كبيرة: من رفض "المستقبل" الحاد للتنسيق بين لبنان وسورية في اكثر من ملف مشترك من ضبط الحدود، الى التنسيق العسكري والامني لمكافحة "النصرة" و"داعش" في جرود عرسال الى ملف النازحين وحله بالاطر المشتركة بين البلدين وصولاً الى المنطق التبريري للحالات التكفيرية في طرابلس والشمال وعرسال وليس انتهاء بالرفض المسبق للهبة الايرانية للجيش.

رفض تيار "المستقبل" عبر الرئيس تمام سلام التنسيق مع الحكومة السورية في ملفي الحدود والنازحين وعدم التجاوب مع النداءات السورية المتكررة للتنسيق وحماية مصالح البلدين والاصرار على إنشاء مخيمات للنازحين السوريين داخل الاراضي اللبناني وخلافاً للمصلحتين اللبنانية والسورية، سيقابله رفض "حزب الله" و8 آذار لإقامة هذه المخيمات وكذلك مشاركة لبنان في حرب اميركية تقودها اميركا بالقطعة على داعش والتي يعتبرها "حزب الله" وحلفاؤه صنيعة اميركا واسرائيل وترتبط بهما ارتباطاً عضوياً.

ولا تقف التباينات بين "المستقبل" و"حزب الله" وحلفائهما عند حدود الملفات الامنية بل تتجاوزها الى الملفات المعيشية من ملف سلسلة الرتب والرواتب الى قطاع الاتصالات وكيفية ادارته الى الكهرباء و"سوكلين" وغيرها من القطاعات الحيوية. وكذلك يبرز التباين في التمديد لمجلس النواب اذ لم يقل "حزب الله" كلمته النهائية فيه حتى الآن ولم يجهد لإقناع "التيار الوطني الحر" برفضه او قبوله بينما تجاوز "المستقبل" عبر سعد الحريري التمديد ليبحث في مرحلة ما بعد التمديد لتصل الى إخراج رئاسي يضيق الخناق على عون حليف الحزب ويحرجه امامه.

ورغم تزايد الهوة بين "الحزب" و"المستقبل"، الا ان مصادر بارزة في 8 آذار تستبعد ان تتفلت الامور وان تؤدي الى تفجير الحكومة التي تعمل تحت الضغط بين حدي عدم التفجير الكامل وعدم الانتاجية القصوى.

على المستوى الامني تستبعد المصادر عودة الاغتيالات والتفجيرات "من دون ان تنام على حرير"، لعدم وجود معطيات حسية وتهديدات محددة، لكنها لا تستبعد حصول اختراقات حدودية جديدة على الحدود اللبنانية - السورية لاقتراب فصل الشتاء وحاجة ارهابيي "النصرة" و"داعش" لخطوط امداد من المؤن والغذاء والطبابة والسلاح.

في لقائه الاخير مع كوادر البقاع في "حزب الله" شدد السيد حسن نصرالله على اشهر صعبة ستشهدها الحرب في سورية وستنعكس مزيداً من التضحيات وبذل الدماء لبقاء الحدود اللبنانية غير قابلة للاختراق من عصابات الارهاب، لكن قرع طبول الحرب على الحدود لا يعني ان الامور قابلة للانفجار داخلياً على غير ما شهدها لبنان طيلة الاعوام الاربعة الماضية اذ المطلوب بقاء لبنان ضمن "ستاتيكو" وتوازن يريده الاميركي فلا يرتاح "حزب الله" وحلفاؤه والمطلوب اقلاق حزب الله وإشغاله على ان ذلك ممنوع ان يؤدي الى ان تعرّض "داعش" و"النصرة" ومثيلاتهما لبنان للاهتزاز والتفجير.