نامت تركيا منذ يومين قريرة العين ومطمئنة البال الى انها ستدخل مجدداً، وبعد اقل من اربع سنوات، "جنّة" ​مجلس الامن​ الدولي لسنتين عبر مقعد غير دائم، لكنها استفاقت على وقع اخبار مغايرة تماماً اقلقت راحتها وجعلتها تراجع حساباتها بعد خسارة سياسية معنوية مهمة جداً.

ست دول تنافست على خمس مقاعد، وكانت تركيا تمنّن النفس في انها ستغدو "قوة كبيرة" بين القوى الكبرى مرة جديدة ولو لفترة محدودة، وهو امر كفيل بتعزيز دورها الاقليمي والاهم انه قد يعطيها حالياً مساحة من الحرية في التعامل مع العقبات التي تعترضها وأهمها: المسألة الكردية.

لكن الرياح اتت بما لا تشتهي السفن التركية، حيث فازت كل من: انغولا، ماليزيا، فنزويلا، اسبانيا ونيوزيلندا بالمقاعد وبقيت تركيا خالية الوفاض. ولم يستطع وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو، رغم تواجده في نيويورك، ان يحجب هول القرار الخاطىء الذي اتخذته تركيا عشية التصويت على عضوية مجلس الامن، لجهة قصف مراكز للاكراد، في وقت يحارب هؤلاء بشراسة مقاتلو تنظيم داعش الارهابي.

صحيح ان المصالح السياسية دخلت على الخط كالعادة في مثل هذه القرارات، ولكن الصحيح ايضاً ان ​كوباني​ (عين العرب) باتت تحت المجهر العالمي، واكتسبت تعاطفاً غير مسبوق كونها تقاتل تنظيماً ارهابياً اوجب قيام تحالف دولي لردعه، فيما بقيت تركيا خارج هذا التحالف حتى تطبيق شروطها.

لم يفهم العالم كيف لتركيا ان تروّج عشية التصويت في ​الامم المتحدة​، لصورتها كراعية للنازحين على مرّ السنين (ابخازيا، مقدونيا، سوريا...) لكسب التعاطف الدولي، فيما تقف متفرجة على ما يحصل في كوباني، لا بل قررت قصف ​الاكراد​ في اكثر الاوقات حرجاً من الناحيتين السياسية والعسكرية. وكان "العقاب" لانقرة ان تبقى خارج "جنة" مجلس الامن، اقلّه لسنتين.

وعبثاً حاول الوزير التركي الايحاء بأن بقاء بلاده خارج المجلس اتى بسبب دعمه لقضية فلسطين، ولكن هذه الذريعة لم تعد تنفع لسببين اساسيين: الاول ان دولاً اوروبية كبيرة قررت الاعتراف بدولة فلسطين (آخرها قرار البرلمان البريطاني)، والثاني ان تركيا اعادت منذ فترة الحرارة الى العلاقة مع اسرائيل، وبالتالي لم يعد من المجدي ان يعتمد الاتراك على هذا المنحى لتصوير الامور وكأنهم المدافعون الوحيدون عن فلسطين في وجه الاطماع الاسرائيلية.

وقرأ البعض في فشل تركيا الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الامن، رسالة مزدوجة: الاولى عالمية وتحذر تركيا من ان الوقوف كمتفرج لما يحصل في كوباني له عواقبه، والثاني اميركي لان وقوف انقرة في وجه واشنطن والتأخر في رد الجواب حول المشاركة في التحالف الدولي الذي تزعمته والسماح للطائرات الاميركية باستعمال قاعدة "انجرليك" لقصف داعش في سوريا والعراق، له عواقبه ايضاً.

ويبدو ان الاكراد الذين لا يتمتعون بدولة بعد، ولا ينتمون الى الامم المتحدة، ولا يزالون يناضلون من اجل الاعتراف بهم في دول العراق وسوريا وتركيا، نجحوا حيث فشلت انقرة في السياسة العالمية واستغلوا بشكل متقن الاوضاع الحالية لكسب التعاطف الدولي، وبالاخص ان الخصم ليس غريباً على احد وهو بات العدو الاول للعالم، حتى انه تمت مقارنته بمرض "ايبولا" الفتاك.

تركيا لن تسكت بطبيعة الحال، وسترد على النكسة السياسية بمزيد من التحرك الميداني، ولكنها ستتوخى الدقة في ما تفعله ولو انها تدرك ان افعالها ستمر دون عقاب فعليّ، وسيتم الاكتفاء بعقاب "معنوي". ولكن الازمة الكردية باتت تضيّق الخناق عليها، وهي بحاجة الى فك الطوق الكردي، علماً ان كوباني لا تزال صامدة في وجه ارهابيي داعش، وعدم سقوطها سيزيد من تعقيد الامور على انقرة وسيشكل عنصر قوة مهم للاكراد وربما ركيزة اساسية في المطالبة بإقليم مستقل لهم، قد يكون تمهيداً لاقامة دولتهم الخاصة.

خسرت تركيا جولة مواجهة مع الاكراد، فكيف سترد لكسب الجولات الاخرى، ومن سيربح الحرب في نهاية المطاف؟