المواقف العالية السقف التي أطلقها وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​، والإنتقادات المختلفة التي وجّهها إلى "حزب الله"، في كلمته خلال الإحتفال بذكرى إستشهاد اللواء وسام الحسن، لم تكن من وحي المناسبة ولا مجرّد كلام إستعراضي سيَزُول سريعاً، كما حاول البعض تسويقه. والأسباب الحقيقيّة لهذه المواقف مُتعدّدة ومهمّة، وأبرزها:

أوّلاً: سَعَى الوزير المشنوق الذي قال "دافعت عن الخطة الأمنيّة وعملت على توفير البنية التحتيّة السياسيّة لنجاحها، لكن للأسف ثمّة من ظنّ إنّني تركت إنتمائي السياسي لأغراض خاصة"، للدفاع عن نفسه قبل أي شيء آخر، حيث أنّه تعرّض منذ تولّيه حقيبة وزارة الداخلية لسلسلة إنتقادات من قوى تنتمي إلى "14 آذار" قبل سواها، بحجّة أنّه يُقدّم تنازلات كثيرة غير ضرورية للفريق الآخر وتحديداً لحزب الله. وهو بالتالي حاول تذكير الجميع أنّه لم يتغيّر وأنّه لا يزال ركن من أركان قوى "14 آذار"، وكأنّه يُبرّر أنّ بعض المواقف التي إتخذها خلال عهده، وبعض الخطوات التي قام بها مثل إشراك رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا في إجتماع لرؤساء الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة، والتي تسبّبت كلّها بانتقاده، تعود إلى مُستلزمات منصبه الرسميّ، وإلى متطلّبات مشاكل وملفّات ميدانية مُحدّدة، وهي بالتالي شكليّة ولا تُغيّر شيئاً في مضمون التموضع السياسي.

ثانياً: سَعَى الوزير المشنوق الذي قال "لن نقبل بتحويلنا لقادة صحوات مُتخصّصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانيّين فيما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبيّة"، وأردف "هيك ما بيمشي الحال"، إلى مخاطبة جمهور قوى "14 آذار" عموماً وجمهور "تيّار المستقبل" خصوصاً، بعد الإنتقادات التي كان هذا الجمهور الواسع قد ساقها ضدّ قياداته منذ لحظة تشكيل الحكومة الحالية، عندما سرت أقاويل في أوساط هذه القوى تتحدّث عن وقوع "المُستقبل" في فخّ "حزب الله"، لجهة توفير الغطاء السياسي لتدخّل هذا الأخير في سوريا بمجرّد مُشاركته الحُكم والسُلطة، ولجهة تحمّل وزر القضاء على كل من يحمل السلاح أو ينتقد "الحزب" ضمن الطائفة السنّية في لبنان، بحجّة فرض الأمن على الساحة الداخليّة، وذلك من دون الحصول على أي مقابل أو أي تنازل يُذكر من "حزب الله".

ثالثاً: الوزير المشنوق الذي قال "البعض إكتفى بجني ثمار الخطة الأمنية والسياسية من دون أن يساعد على إنجاحها بل ساهم سلوكه بزيادة مشاعر الإحتقان والتوتّر والغبن"، وأضاف: "في كل مرّة نتحدّث عن الخطف والتزوير في بريتال والنبي شيت والشراونة يأتينا الجواب ألا سلطة لنا والفاعلون يهربون إلى الجرود التي لا نعرف أوّلها من آخرها، وفجأة تصبح الجرود أرض معركة فيها الدشم والمتاريس والمقاتلون..." سَعَى إلى التصويب بشكل مباشر وعلني على "حزب الله"، وإتهامه ضمناً بالتغطية على مناصريه وعلى الإرتكابات التي تحصل في المناطق المحسوبة شعبياً عليه، وهدفه الفعلي الحدّ من التراجع الحاصل في شعبيّة "تيّار المستقبل"، عبر التعبير عمّا تتداوله أوساطه الشعبيّة من "غُبن وتمايز ومن كيل أمني بمكيالين" بشكل علني ومباشر.

رابعاً: سَعَى الوزير المشنوق الذي قال "لست من هواة تفجير الحكومة أو التراشق السياسي لكن الملفّات تتراكم وثمة من يعمل على تفجيرها"، والذي ختم خطابه في ذكرى إغتيال الحسن بعبارة: "قلت ما قلت بحثاً عن أمن سياسي مُشترك بين كل مناطق الإضطراب، وهذا أوّل الكلام وليس آخره لأننا نريد حماية لبنان"، إلى توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر أنّ الأمور ليست على ما يرام، ولا يُمكن أن تبقى كما هي عليه حالياً، وأنّ مواقفه الأخيرة العالية السقف لن تكون يتيمة، لا من قبله ولا من جانب باقي قيادات "تيّار المستقبل"، ما لم يتم إصلاح الوضع بمجمله.

وفي الخلاصة، يمكن الإستنتاج أنّ وزير الداخلية الذي أصبح أخيراً بوضع لا يُحسد عليه ضمن تيّاره وطائفته ومجموعته السياسية، لن يُقدم على أيّ تراجع إضافي في الملفّات التي يُمسك بها، بهدف إستعادة موقعه كصقر من صقور "14 آذار" و"تيّار المستقبل" بالتحديد. وهذا القرار ليس صادراً من موقع المشنوق الشخصي، بل من قرار رفيع من قِبَل قيادة "تيّار المُستقبل" بوقف التراجع في صفوف مؤيّديها، عبر خطّة عمل واضحة تبدأ بإعادة رفع صوت القاعدة الشعبيّة للتيّار من على المنابر، وصولاً إلى رفض تقديم مزيد من التنازلات السياسيّة والأمنيّة، إن لحزب الله أو لغيره، بشكل مجاني.