كل ما في الأزمات اللبنانية غريب يحطم الحياة، ويحصد المزيد من السخط والغضب لدى معظم الشرائح اللبنانية. طريق العبور إلى الدولة والوحدة والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي مقفل. حتى التسويات الداخلية والخارجية تبدو بعيدة في ظل الاصطفاف الرهيب الذي يساهم بالمزيد من التعبئة والشحن والتحفز لمعركة كبرى لا يزال جمرها يتحرك باضطراب تحت الرماد.

على المستوى الإنساني، لم تقرّر الدولة بعد أن ترفعنا إلى مستوى المواطنين، ولم نقرّر نحن بعد أن نصنع سلطة تعامل الجميع على قاعدة المساواة والعدالة وتفرض قوانينها وهيبتها وتدافع عن سيادتها في وجه الأعداء الذين يحيطون بهذا البلد الصغير من كل جانب. هي لم تكن على قدر المسؤولية ونحن لم نكن على قدر المواطنة الحقيقية!.

أبرز مثال على الحالة المتردية التي تعيشها الدولة المستهترة، هو هذا التخبط في ملف أسرى الجيش وقوى الأمن لدى الجماعات الإرهابية المسلحة. إذ لا توجد خطة تفاوض واضحة، أو سياسة إعلامية وأمنية سليمة لمواجهة الدعاية الإرهابية التي تتلاعب بالبلد ومصالحه وعواطف أهالي الأسرى بطريقة فيها الكثير من الاستخفاف والاستهزاء. بات البلد أسير خطب وبيانات ورسائل مجموعات تدفع السلطة إلى كشف عريها وضعفها وتفككها القبيح. شيء يثير التذمر أن تنجح مجموعة إرهابية هاوية على المستويين السياسي والأمني في إرباك السلطات جميعها وإظهار صورتها الكسيحة المتداعية.

فهل يتم استدراك هذا الخلل والتحلي بالجدّية اللازمة في هذا الملف الحساس؟ طالما أن لا أمل حالياً على المستوى الداخلي بحل ملفات أكبر وأخطر كملف الرئاسة والتمديد للمجلس النيابي الذي يريده البعض تمديداً مشروطاً بعدم قيام المجلس بالتشريع طالما أن لا اتفاق على اسم لرئيس الجمهورية. وإنّه لأمر مرّوع أن يصل السياسيون والزعماء إلى هذه الخفة في التعاطي مع هذه الاستحقاقات المصيرية وكأن البلد في عاصم من عدوان «إسرائيلي»، أو غزو «داعشي»، أو فتنة مذهبية.

ثم تأتي سلسلة الاعتداءات على الجيش اللبناني في طرابلس والشمال لتؤكد أن ما يجري يهدد قلب الكيان اللبناني. إذاً لا معنى لوطن بلا جيش وطني يدافع عن وحدة البلد وأمنه واستقراره وسيادته.

ما يحصل ضد الجيش غير مقبول على الإطلاق. السياسيون يتحملون مسؤولية كبيرة في استمرار حال المؤسسة العسكرية على ما هي عليه. إذ لا غطاء سياسياً واضحاً لمحاربة الإرهابيين، ولا عمل جدياً لتسليح الجيش، وحتى الهبة الإيرانية يتم تمييعها لأسباب سياسية واضحة ممن يدعون السيادة ويرفعون شعار الدولة أولاً. فمتى يقف مسلسل العبث بالجيش الذي يستشهد كل يوم جنود من أفراده فيما الطبقة السياسية غارقة في النكايات تحركها ريح المصالح يمنة ويسرة؟ متى تتوجه الإرادات كلها إلى دعم الجيش وتسليحه عن طريق أي دولة صديقة، ومساعدته على حماية الاستقرار من الإرهاب الذي بات يهدد كل بقعة من أرض الوطن. لا مجال بعد اليوم للخداع والالتفاف والمواقف المضللة. مَن يريد وحدة البلد عليه أن لا ينصت للأميركيين، ومَن يريد استقراره عليه أن يتحرك بقليل من الجرأة والكرامة الوطنية.