من حق اللبنانيين القلق من المخاطر المحدقة بمستقبل وطنهم وكيانهم ومؤسسات دولتهم بعد كل ما حل بالجارة السورية من تصفية حسابات دولية على أرضها حتى باتت سورية مسرحاً لعمليات ومخططات وتجارب كل من له ملف أو قضية وحتى تجارب تكنولوجية ولوجستية بين أسلحة وتدريب جنود وعساكر بالإضافة إلى كونها ممراً رئيساً لاستكمال مشاريع وصل مناطق مرور الغاز والنفط بعضها ببعض بحسب تقارير حصلت عليها دول إقليمية كبرى تتضمن اجتماعات ومراسلات بين واشنطن وأنقرة على وجه الخصوص في محاولة من تصدر تركيا مشهد المنطقة بتعزيز نفوذها فيها.

يحق للبنانيين التساؤل إن كان عناصر «جبهة النصرة» الموجودين في جرود عرسال لبنانيين مثلاً أو غير لبنانيين ليسوا إرهابيين؟ وعليهم تقبلهم والتفاوض معهم كما يقول النائب وليد جنبلاط عن «جبهة النصرة» في سورية.

ربما يقصد النائب جنبلاط أنه بات على السوريين ومعهم اللبنانيون تقبل هذه المجموعات من باب اعتبارها أمراً واقعاً وسط نمو الحركات الأصولية في الجوار كقوى استطاعت فرض نفسها بالمعادلة الإقليمية بقوة… لكن…

هل يدعو النائب جنبلاط إلى اعتبار أن هذا الأمر الواقع أصبح قدراً لا يُرد وعلى اللبنانيين الخضوع له؟ أم أن عليهم تقبّل معادلة «إما التفاوض مع جبهة النصرة وتقبّل شرعنتها والاستماع لمطالبها وإلا الويلات المقبلة كاحتمال وحيد لا حول بعده ولا قوة كتحصيل حاصل بعد معادلة شرعنة النصرة في سورية وإدخالها العملية السياسية فيها بحسب جنبلاط»؟

الأكيد أن مخاوف اللبنانيين وبينهم جنبلاط «مشروعة» وكل بحسب رؤيته يسعى لتجنيب لبنان مخاطر تمدّد الإرهاب فيه قبل أن يفوت الأوان.

إلا أنّ الأكيد أيضاً أنّ هناك من سيمنع تمدّد «داعش» أو «النصرة» في لبنان وكيف هذا؟

يخضع لبنان لنفس منظومة الحسابات الدولية والإقليمية التي يتم تصفيتها على الأرض السورية وفي ظل تسجيل النقاط بين الدول المتصارعة ضمن الحلف الواحد من مصر إلى اليمن وصولاً إلى البحرين ومروراً بلبنان.

لا يمكن تجاهل أو إنكار حقيقة تقدم تركيا وتصدرها واجهة القوى الإقليمية في الشرق الأوسط في الحروب المتنقلة الممتدة على جغرافيا المنطقة باعتبارها أولا دول جوار لها أي حدودية مع تركيا حيث يعتبر أمنها من أمنها الخاص.

إلا أن الطرف التركي ليس اللاعب الأوحد في المنطقة حيث يتنافس معه ضمن الحلف الواحد المملكة العربية السعودية حيث مكانتها ونفوذها في المنطقة منذ عقود.

سياسية الصفر مشاكل مع الجيران التي تنازل عنها التركي بظل حكم حزب العدالة والتنمية جعلت منه منافساً شرساً للمملكة العربية السعودية على رغم الاتفاق معها على عدة ملفات بينها إسقاط الأسد وعزل أو إضعاف حزب الله في حربه في سورية.

هذه الشراسة كشفت للمرة الأولى عن نوايا تركية وطموحات تتجسد في بسط نفوذ لتركيا في المنطقة على غرار دول إقليمية كبرى فيها كإيران والسعودية مستغلة الأحداث السورية لتكون مدخلاً في إثبات دور اللاعب التركي في ملفات مصيرية لا بل أكثر من ذلك في القدرة على اللعب بأمن دول من بابها العريض، فشكلت مع قطر ثنائياً قوياً جمعهما الهدف نفسه وهو: دخول الحلبة الإقليمية وصراعاتها من بابها الواسع متسلحين بما يمكنهما تقديمه من مال وخطط تحفظ امتداد خطوط النفط وأنابيب غاز المنطقة لصالح استعمالها كأقوى الأوراق في المعادلات المقبلة.

لبنان هو أحد الدول التي لن تقبل السعودية تقديمه على طبق من ذهب إلى كل من تركيا وقطر المعروف أنهما تدعمان «داعش» و«النصرة» دعماً شديداً ووثيقاً. وما المفاوضات على إخراج أسرى في غير مرة سوى دليل مهم في تأكيد المؤكد من التقارير الأمنية والديبلوماسية التي أشارت إلى ذلك خلال السنوات الأربع الماضية حتى اليوم هذا بالإضافة إلى تردد تركيا الواضح والمريب في دخول الحلف الدولي لقتال «داعش» وغيرها وخوضها غمار الوحدة الدولية لمواجهة الإرهاب بغض النظر عن أهداف هذا الحلف وتوجهاته.

امتداد «داعش» و«جبهة النصرة» إلى العمق اللبناني وفرض أي معادلة من معادلتها يعني بطريقة من الطرق خسارة السعودية لنفوذها في لبنان بصورة أو بأخرى فهل ضعفت السعودية بعد أحداث اليمن وصارت عاجزة ومستسلمة لإمساك تركيا بأوراق كانت في رصيد السعودية؟ وهل صار كلام جنبلاط تماشياً مع هذا التحول؟ أم أن الكلام السعودي بوجه إيران وعلاقتها المميزة مع مصر يقولان إنها لا تزال اللاعب الأول في الملعب المحسوب على واشنطن وإن اللعب التركي في ملعب السعودية لن يفلح؟ فهل تسرّع جنبلاط؟ أم أن السعودية تريد استخدام «النصرة» وتركيا موقتاً ريثما يحين وقت الصفقات الكبرى؟

الأكيد السعودية لن تسمح بخسارة لبنان بعد خسارتها الأليمة في اليمن.